Historia de la gramática árabe: Visto desde la evolución de su concepto: Reflexiones exploratorias
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
Géneros
فإذا شذ الشيء في الاستعمال، وقوي في القياس؛ فإن استعمال ما كثر أولى، وإن لم ينته قياسه إلى ما انتهى إليه استعماله. وإذا أدى القياس بالمتكلم إلى شيء ما، ثم سمع العرب تنطق بشيء آخر على قياس غيره، فيجب أن يدع المتكلم ما كان عليه إلى ما هم عليه. أما إذا سمع المتكلم من عرب آخرين مثلما أجازه في القياس فهو مخير يستعمل أيهما شاء. قد يبدو هذا تنازلا من ابن جني، وثغرة في شمول القياس من حيث هو أداة شاملة، لكن لو تذكرنا أن النحو الخالص معرفة علمية بتعدد الإمكانات، ولا نهائية الاختيارات عند المتكلم؛ فإن تنازل ابن جني دعم لفكرة النحو الخالص. وهو ما أفهمه من خلاصة ابن جني التي أنهى بها الباب الذي عقده في تخصيص العلل.
25
يخلص ابن جني إلى أن عناية العرب بمعانيها أقوى من عنايتها بألفاظها، ويسمي العلامات كالنصب والجر والرفع والجزم حلية الألفاظ وزينتها؛ إذ لم يقصد بها إلا تحصين المعنى والإحاطة به. وأن المعنى هو المكرم والمخدوم، وأن اللفظ هو المبتذل الخادم. وعلى أي حال فالأهم عند ابن جني أن يجد أداة تحسن باستمرار حتى يتجاوز نحو سيبويه؛ لا ليلغيه، إنما ليؤكده ويقنع به؛ فنحو سيبويه الخالص معرفة تهدف إلى وصف عناية العرب بمعانيها الأقوى من عنايتها بألفاظها، وهذا ما أفهمه من قول ابن جني: «إنه معنى عند العرب مكين في أنفسها، متقدم في إيجابه التأثير الظاهر عندها، وهو ما أوردناه وشرطناه من كون الحركة غير لازمة ، وكون الكلمة في معنى لا بد من صحة حرف لينة، ومن تخوفهم التباسه بغيره؛ فإن العرب - فيما أخذناه عنها وعرفناه من تصرف مذاهبها - عنايتها بمعانيها أقوى من عنايتها بألفاظها.»
26
لا يحول السياق الجزئي الذي وردت فيه عبارة ابن جني هذه؛ أعني سياق تقمصه دور المعارض في قوله: «فإن قلت ... كأنك إنما جئت إلى هذه الشواذ التي تضطرك إلى القول بتخصيص العلل، فحشوت بها حديث علتك لا غير.»
27
لا يحول دون بلوغ السياق العام لطرح ابن جني؛ لذلك فهو يسارع إلى القول: «أو لتعلم عاجلا إلى أن تصير إلى ذلك الباب آجلا أن سبب إصلاحها (العرب) ألفاظها، وطردها إياها على المثل والأحذية التي قننتها لها وقصرتها عليها، إنما هو لتحصين المعنى وتشريفه والإبانة عنه وتصويره؛ ألا ترى أن استمرار رفع الفاعل ونصب المفعول، إنما هو للفرق بين الفاعل والمفعول، وهذا الفرق معنوي، أصلح اللفظ له، وقيد مقاده الأوفق من أجله.»
28
لا يجب أن نغفل عن كلمتين موفقتين هما «معنوي» و«الأحذية». حيث تشير كلمة «معنوي» إلى المعنى بالنسبة إليه، وتشير «الأحذية» إلى القالب؛ مما يعني أنه استوعب ترابط كلام العرب، وترابطه وفق المعنى والقالب. إن القياس الذي يشير إليه معنى «الأحذية» يعني أن يمسك ابن جني كلام العرب في شبكة واسعة من الأقيسة. هنا نسأل: هل يمكن أن يكون هذا نحوا جديدا؟ هل يمكن أن يكون هذا معرفة علمية بكلام العرب؟ يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن ابن جني متحمس لتطوير فكرة القياس ليبرهن على النحو الخالص من داخله، وبما ينتمي إليه؛ أي العقل. وهو حماس يقرب النحو الخالص من الكمال. ترتب على ذلك أن القياس ليس علما جديدا؛ إنما هو أداة لتحسين النحو الخالص، أداة فنية إن صح هذا التعبير.
ما زال في السياق الذي أتحدث فيه مسألة معلقة؛ ذلك أن إنجاز القياس الحاسم هو أنه وفر إمكانية القيام بتنبؤات محددة؛ أي أن يركب نظريا كلام قد لا يستخدم في الحياة اليومية. وهنا تنشأ مشكلة؛ حيث يتحول النحو من الدراسة العلمية للكلام كما يستعمل في الحياة اليومية إلى مجرد تركيب نظري للكلام غير المستخدم في الحياة اليومية. انطلاقا من هذا الفهم يحتاج مفهوم القياس إلى توضيح دقيق، وذلك بالنظر إلى كونه تحول إلى أداة تستخدم بكيفية محكمة ودقيقة من دون أن تستحضر الإنجاز المؤسس لها إلا في سياق ما فات عليه؛ أعني ما فات النحو الخالص عند سيبويه الذي يصف الكلام كما يستعمل في الحياة اليومية في إنتاجه المعنى. وفي هذا الإطار يمكن أن أفهم الباب الذي عقده ابن جني لفوائت كتاب سيبويه،
Página desconocida