Historia de la gramática árabe: Visto desde la evolución de su concepto: Reflexiones exploratorias
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
Géneros
لا أنوي هنا مناقشة ما طرأ بعد ذلك على مفهوم الإضمار في تاريخ النحو العربي، إنما أريد أن أؤكد على أن مفهوم الإضمار هو المفهوم المؤسس الثاني للنحو العربي، ومثله مثل مفهوم العامل. لا أظن أننا سنجد نحويا لا يسلم بأهمية هذا المفهوم.
لقد أرسى سيبويه النحو العربي بوصفه علما، وحدد طريقه للآخرين. أكتفي هنا بابن جني النحوي الأهم عندي بعد سيبويه. من قرأ كتابه الخصائص يعرف أن ابن جني أنجز مهمة مملة ولكنها حيوية جدا في تاريخ النحو العربي. فقد أراد من تأليف كتابه الخصائص أن يفكر من جديد في النحو، وأن يحدد أصوله على أصول الكلام والفقه مما مكن من استخدام مفهوم العلة على نحو منتج ومفيد. يقول: «... أنا لم نر أحدا من علماء البلدين (البصرة والكوفة) تعرض لعمل أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه، فأما كتاب أصول أبي بكر (ابن السراج) فلم يلملم فيه بما نحن عليه إلا حرفا أو حرفين في أوله، وقد تعلق عليه به. وسنقول في معناه.»
10
دشن كتاب الخصائص مفهوم العلة. بدأ ابن جني بتوضيح غرابة هذا المفهوم عن نحو تلك المرحلة التاريخية؛ أعني ما يفهم من قوله في مقدمة كتاب الخصائص عن «تعريد (هروب وفرار) كل من الفريقين: البصريين والكوفيين عنه (التعليل)، وتحاميهم طريق الإلمام به، والخوض في أدنى أوشاله وخلجه، فضلا عن اقتحام غماره ولججه.»
11
يمكن أن نستخلص من عبارة ابن جني هذه، ومن عبارات أخرى مشابهة تخص أصول الأخفش النحوية، وأصول الكلام وأصول الفقه، يمكن أن نستخلص شعور ابن جني بأن هناك جانبا من كلام العرب لم يعلل أو أنه علل بشكل بدائي. وحين ألف كتاب الخصائص أصبح عندنا نوعان من الكتب؛ كتب تصف لغة العرب، وكتب أخرى تعللها. وإذا ما كان كتاب سيبويه الكتاب الأهم في تاريخ النحو العربي الذي يصف كلام العرب، فإن كتاب الخصائص هو الكتاب الأهم في تعليل كلام العرب في التراث النحوي كله.
تكمن جدة كتاب الخصائص في الوعي بمفهوم العلة؛ فبغير مفهوم العلة يبدو الحكم النحوي مليئا بالثغرات؛ أي إن ما يجعل الحكم النحوي متماسكا هو مفهوم العلة؛ فقد ساوى بين الأحكام النحوية. وهذه أعظم مساهمة لكتاب الخصائص؛ إذ بإمكان أي شخص أن يتحدى أي حكم نحوي، بشرط أن يقدم العلة لحكمه النحوي المعارض. أما المساهمة الأخرى التي لا تقل أهمية عن هذه، فهي أن النحوي لم يعد الشخص الذي يعرف الحكم النحوي فقط، إنما الشخص الذي يبحث أيضا عن علته. إننا نخطئ خطأ جسيما إذا نحن أولنا كتاب الخصائص على أنه تطوير لفكرة العلل عند ابن السراج. لذلك يجب أن نعتبر كتاب الخصائص محاولة ابن جني لإيقاظ النحو العربي ودعم مفهوميه المؤسسين (العامل والإضمار) بمفهوم جديد هو مفهوم «العلة». وعلى أي حال لن أناقش مفهوم العلة، وما ترتب عليه من عدد العلل التي وصلت إلى عشرات العلل في تاريخ النحو العربي، إنما أريد أن أؤكد أن من النادر أن نجد نحويا لا يسلم بمفهوم العلة في النحو.
يأتي بعد سيبويه وابن جني عبد القاهر الجرجاني الذي نظر إليه المعاصرون على أنه بلاغي. ومكانته لا تكاد تذكر في تاريخ النحو العربي، ولا يشكل مرجعية علمية عند التعرض لقضايا النحو. ومن المثير في هذا الصدد ما جاء في التعريف بالطبعة الأولى من كتاب «دلائل الإعجاز» التي كتبها السيد محمد رشيد رضا. كتب: «أما الكتاب (دلائل الإعجاز) فيعرف مكانته من يعرف معنى البلاغة، وسر تسمية هذا الفن بالمعاني. وأما من يجهل هذا السر ويحسب أن البلاغة صنعة لفظية محضة قوامها انتقاء الألفاظ الرقيقة أو الكلمات الضخمة الغريبة، فمثل هذا يعالج بهذا الكتاب.» تبدو غرابة هذا القول حينما نقرأ في مقدمة الكتاب أن الجرجاني نفسه أدرج كتابه في النحو وليس في البلاغة. يقول: «هذا كلام وجيز يطلع به الناظر على أصول النحو جملة، وكل ما به يكون النظم دفعة، وينظر منه في مرآة تريه الأشياء المتباعدة الأمكنة قد التقت له، حتى رآها في مكان واحد، ويرى بها مشئما قد ضم إلى معرق، ومغربا قد أخذ بيد مشرق.»
12
ويقول في صفحة أخرى: «ومما ينبغي أن يعلمه الإنسان ويجعله على ذكر، أنه لا يتصور أن يتعلق الفكر بمعاني الكلم أفرادا أو مجردة من معاني النحو، فلا يقوم في وهم ولا يصح في عقل، أن يتفكر متفكر في معنى «فعل» من غير أن يريد إعماله في «اسم»، ولا أن يفكر في معنى «اسم» من غير أن يريد إعماله في «اسم» ولا أن يفكر في معنى «اسم» من غير أن يريد إعمال «فعل»، فيه وجعله فاعلا أو مفعولا، أو يريد منه حكما سوى ذلك من الأحكام مثل أن يريد جعله مبتدأ، أو خبرا، أو صفة، أو حالا، أو ما شاكل ذلك.» وسوف يوضح لنا بشطر بيت من الشعر كيف أن المعنى يتوقف، أو بالأحرى «يمتنع معه دخول شيء من معاني النحو»، حينما نزيل ألفاظه من مواضعها.
Página desconocida