حدّثني محمّد بن سلامة بن حجاج قال: سدت أهل شداد وعاد منفذ جبلين بالحجر والرصاص وصعدوا في ارتفاعه إلى أن حاذى الحائط ذروة الجبلين، فصارت السيول تفلت فيه والماء يستجمع إلى أن رجع بحر مسدود وكانوا يسقون من أراضيهم وإنعامهم، ويقال انهم كانوا يسقون منه إلى قرب الشام بساتين ذات أعناب ونخل وزرع وقرى متصلة بعضها ببعض، وبقي الإقليم عامر إلى أن أخربه الله، وكان الموجب ما ذكره الرازي إنّه خرجت قافلة من الشؤم وإذا بفأر قفز من الأرض ركب ظهر جمل من بعض الأجمال التي في القافلة، ولا زال الفأر ينتقل من جمل إلى جمل ويعبر منزلا بعد منزل إلى إنّ وصل مدينة مأرب قفز الفأر من الجمل ودخل السد وصار يعمل فيه عمله. ويقال أن النعمان خرج يوما في طلب الصيد فحصل في طرد الصيد فوجد الفأر بأنياب حديد يحفر السد. فلما رجع إلى أبيه المنذر قص عليه حكاية الفأر وصفة أنيابه إنّها من حديد يحفر السد. فقال المنذر: صح يا بني ما وجدناه في الكتب أن ما يخرب سد مأرب إلا فأر أنيابه من حديد، وأريد منك إذا دخلنا يوم الأحد إلى الدير والكنائس والناس فيه مجتمعون قم إليّ وشاكاني في أمر من الأمور وطول لسانك عليّ فإذا رأيت الأمر قد طال قم إليّ ألطمني براحة كفك على خدي. قال النعمان: وكيف يمكن ذلك؟ قال: يا بني افعل ما أمرتك به لأن لي فيه رأي ولك فيه مصلحة. ففعل الولد ما أمره به والده، فلما لطم الشيخ غضب الشيخ من الحين سمي الملطوم فقام الشيخ بين الجميع وقال: يا وجوه العرب ما بقي لي معكم سكن. قالوا له الجميع: ولم؟ قال: كيف أحرفني صبي وكسر حشمتي بينكم وحرمتي! ومن ساعته نادى على السد فتآلبت وألتأمت قبائل العرب في شراه، قالوا: بكم؟ قال: تغمدوا سيفي هذا! وغرس ذؤابة سيفه على الأرض وصارت العرب تنقل الذهب والفضة والمصاغ إليه ولا زالوا على حالهم يصبون الذهب إلى غمد سيفه بالذهب. فأخذ الشيخ المال وصعد الجبل وسكن مقابل السد، والجبل يسمى حقا، هو وأهله فيه ينظرون خراب السد. ولمّا تمكن الفأر من السد وخرقه أخربه وضرب السيل. حدّثني سلامة بن محمّد بن حجاج قال: لمّا دفع السد أخذ الماء في جملة ما اخذ ألف صبي أمرد على ألف حصان أبلق غير البيض والشقر والدهم والخضر. كما قال:
تهدم سد المأزمين وقد مضى ... زمان وهو ينقاد حيث يقاد
وإلى مأرب أربع فراسخ، وتسمى الحصنين. ومن هذه البلدة نقلت الجن عرش بلقيس إلى أرض فارس في زمن سليمان بن داود ﵉، كما قال الله ﷿: (أهكذا عرشكِ؟ قالت كأنه هو) . فقال:
مولاتنا وولية آل الذي ... طالت كما طالت علا بلقيس
وقد قال الأديب الصابر في مدح السلطان اتسز بن ألب ارسلان حاجب السنجري: وبن صور كه مابدهي كسدي كارم دل نسابه والآن نسرى.
فلما إندق السد أخذ مأرب في جملة ما أخذ فلما زال شر الماء وضروه دارت الخلق عل موضعين سليمين منه صورين سمى أحدهما درب الأعلى والثاني درب الأسفل وفي الأعلى شارع يقال له شارع الفضول، كل من تلاكم وتعريد وضرب لا يؤخذ له ولا يؤخذ منه حق، فإن كان خارجا عن الشارع وجب على كل حقه في الأخذ والرد. قال: وحدثني رجل مغربي قال: وكان حسام الدين على لؤلؤ في صنعاء والي يقال له والي الفضول. كان من كان يتعلق عليه بحجة فكان يأخذ من كل واحد دينار. وهو على هذا الوضع والترتيب: ويقال إنّ مدينة مأرب بناها سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ويقال عابر وهو هود ﵇. ويقال إنّما سمى سد مأرب إلا أن قوم عاد لمّا سلط الله عليهم الريح العقيم وكان يقف على السد كل يوم كذا وكذا من رجل ليردوا من أصحابهم البلاء، وكانت الريح تضرب بعضهم على بعض كما قال الله ﷿: (ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم) . فبنوا السد ليرد عنهم قوة الماء، فلما عذب تلك الأمة اجتمع السيول فيه وكثرت المياه فبقي جريًا للماء فبنى عليه قرى وعمارات وزراعات إلى حدود الشام وكان يسقى منه جميع ذلك.
فصل
1 / 76