فإذا حاذى مركب المسافر مدينة سقطرة أو جبل كدمل تسمى يلك المحاذات الفولة. يؤخذ قدر يعمل عليه شراع وسكان من جميع آلة المراكب ويعبى فيه من الأطعمة من قليل نارجيل وملح ورماد ويلقى في البحر من الأمواج الهائلة، قال أهل التجارب والخبرة إنّه يصل بسلامة إلى لحف الجبل. وكان في أيام القبط واليونان في وقت زيادة النيل توخذ بنت بكر عذراء احسننا يكون من الصور تزين بأفخر زينة وتلبس الحلي والحلل ويؤتى بها على رؤوس الأشهاد بالطبل والمزمار ويطلقونها في النيل. فأزيل هذا الفن في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁. وفي اجه وجميع أعمال الهند والسند إذا زرع أحد قصب السكر ينذر للصنم نذرا إذا طلع قصبه جيدا فدى بإنسان فان صح قصبه احتال على بعض قصار الأعمار يذبحه ويرش بدمه أصول قصب السكر في يوم عيد لهم يسمى الديواني. وإذا زاد شط السند في الأخذ على المد والحد يؤخذ خشف غزال أحمر ويعطر ويبخر ويطلق في أغزر موضع وأقوى جريان في السيل وأشد سوار فحينئذ ينقص الماء بأذن الله تعالى. وما ذكرنا هذه إلا لنبرهن مقالتنا وما تقدم من قولنا والله اعلم.
ذكر المعجلين
هو بركة في آخر جبل حفات وجبل صيرة الذي بنى على ذروته قصر المنظر، والبركة خلقها الله تعالى وهي ما بين جبل حقات وجبل صيرة وهي ذات أمواج هائلة قاتلة في عمق وغزر. حدثني منصور بن مقرب بن علي الدمشقي قال: إذا برد الماء بها يعني في البركة يكون العام عاما شديدا على كل من يقطع الصبا قلت: ولم؟ قال: لكثرة الأمواج وهيجان البحر. وإذا كان الماء فيه فاترا يكون عاما طيبا سهلا يسرا غير عسي على المسافر وهذا مجرب. قلت لريحان مولى علي بن مسعود بن علي بن أحمد: لم سمي هذا المكان المعجلين؟ قال: لأنه يرجع كل أربعة أثنين.
ذكر بحيرة الأعاجم
قيل: لمّا أطلق ذو القرنين البحر من جبل باب المندب وساح نشف ما حول عدن من المياه وبقيت عدن نصفها التي تلي جبل العر مما يلي صيرة مكشوف ومما يلي المياه وإلى جبل عمران ناشف. فلما استولت ملوك العجم على عدن رأوا ذلك الكشف فخافوا على البلد من يدٍ غالبة تحاصر البلد فحينئذ قاموا فتحوا له فمًا مما يلي جبل عمران وأطلقوا البحر عليه فأندفق البحر فنزل إلى أن غرق جميع ما حول عدن من أرض الكشف فرجعت عدن جزيرة. وبقي كل من أراد السفر إلى جهة من الجهات ركب متاعه في الصناديق ويجيء في البحر الأصلي إلى أن يعدي البحر وجاءت الجمال فرفعوه من عند المكسر وسافروا به. فلما رأوا ما رأوا من تعب الخلق في ذلك بني المكسر وهو قنطرة بنيت على سبع قواعد فصارت الخلق تسلكه على الدواب وغيرها. ويسمى البحر المستجد بحيرة الأعاجم بهم إلى قيام الساعة.
بناء عدن
لمّا انقطعت دولة الفراعنة خرب المكان بزوال دولتهم، وسكن الجزيرة قوم صيادون يصيدون في المكان فكانوا على ما هم عليه زمنا طويلًا يرتزقون الله في القوت والمعاش إلى أن قدم أهل القمر بمراكب وخلق وجمع وملكوا الجزيرة بعد أن اخرجوا الصيادين بالقهر وسكنوا على ذروة الجبل الأحمر وحقات وجبل المنظر، وهو جبل يشرف على الصناعة. وآثارهم إلى الآن وبنائهم باق بالحجر والجص ملء تلك الأودية والجبال. قال الشاعر:
لي أدمع هواطل ... مذ خلت المنازل
وسار حادي عيسهم ... فهاجت البلابل
وقفت في ربوعهم ... هاذٍ بهم وسائل
يا دار هل من خبر ... رد جوابي عاجل
أجابني من الربو ... ع صائح وقائل
ابك دما يا غافلا ... قد سارت القوافل
لي فيهم فتانة ... رشيقة الشمائل
في خدها وقدها ... ورد وغصن ذابل
وكانوا يطلعون من القمر يأخذون عدن رأسًا واحدًا في موسم واحد. قال أبن المجاور: وماتت تلك الأمم مع تلك الرئاسة وانقطعت تلك الطريق ولم يبق أحد في زماننا يعلم مجرى القوم ولا كم كيف كانت أحوالهم وأمورهم.
فصل
1 / 44