ويقيمون الناس في النخل مدة شهرين أو ثلاثة ويكون غالب أكلهم الحموضات والملوحات وهم في لعب وضحك وشرب. ويعمل من التمر والبر والرطب نبيذ يسمى الفضيح يصح عمله في يوم وليلة ويشرب النساء مع الرجال، ويقولون: إنّه ينفع لكن مضرته اكثر من نفعه، وأوّل من عمله في هذه البلاد رجل من أهل الشام. ويحصل منه كل عام سعين ألف دينار غير الذي يصل إلى الخزانة وعمال السلطان ونواب الديوان وغير النخيل والسلطانية والأوقاف وغير الذي لأرباب الجاهات وأصحاب الدولة، يصح من جميع ما ذكرناه مائة وثلاثون ألف دينار. وكان ضمانه في دولة الحبشة وأيام بني المهدي كل عام سبعون ألف دينار وما يأخذونه نقد بل تمر ويخرج حولات والصرف ثلاثة جوز درهم وكل أربعة دراهم دينار وكل أربعة دنانير ونصف بدينار احمر. وما رجع خراج النخل كذا إلا إنّ سيف الإسلام أوصى طغتكين بن أيوب أوصى بالعدل على أهل الحرث والظلم على أهل النخل فهو الذي أبتدئ بهم من عهده. فقيل له في ذلك فقال: إنّ الفلاح يحرث ويسقي ويبذر ويحصد ويعزق ويذري في الهوى ويجد مشقة عظيمة فالواجب أن يرفق بهم، وأصحاب النخل فانهم يجنون الثمر من العام إلى العام بلا عناء ولا تعب كما قال الله تعلى: (والنخل باسقات لها طلع نضيد) . وكل نخل يهرب منه صاحبه يأخذه السلطان على كيسه بالخراج الذي عليه له، وكل نخل يأخذه السلطان يسمى الصوافي أي يصفى لبيت المال. وبلغ مال النخل سنة أربع وعشرين وستمائة وعشرة آلاف دينار نقد غير ما حمل إلى الخزانة. وفي هذا العام قالوا أهل زبيد: ما شاء النخل ولا شاء زبيد، يعلق باللميمة ويضرب بالجريد. وما استخلص هذا المال إلا الأمير الوالي الصارم بائس الكاملي. كان من وزن قبالة وزن مثله مضاعف. فإذا فرغ النخل خرج الصغار مع الكبار والأخيار مع الفجار بالطبل والزمر بعد ما يلبسوا جملا عدة تامة من الأجراس والقلاقل ويشد في رقبته المقانع والحلي، ويركب كل أربعة من الناس على جمل وناس منهم على الشقادف يمشون إلى مسجد مشرف على ساحل البحر. والموضع موضع مبارك فيه وطئة ناقة معاذ بن جبل وأثر كلكها لمّا رجع من اليمن إلى الحجاز بعد وفاة النبي (عبر هذه البلاد والسواحل. ويسمى هذا الموضع الفازة أعنى الذي يتبحرون فيه. وينزل فيه النساء مع الرجال في بحر خليط مليط وهم في شرب ولعب ورقص وقصف وزائد وناقص. وما يخرج إلى هذه الأماكن إلا في كل أسبوع يومين يوم الاثنين ويوم الخميس وإذا رجعوا من هناك دخلوا البلد رأسا واحدا.
ذكر شجر الكاذي
وهو شجر يطلع في ناحية مسجد معاذ بن جبل يشبه النخل. وهو ورد على هيئة الصبرة التي تزرع في العراق والهند في المراكز في سطوح الدروب ولكن ورق الكاذي رقيق شبه خوص النخل ذات شوك خشن، لم ينعقد ورده إلا من برق البرق فإذا برق البرق طلع منه كثير بالمرة وإنّ لم يكن البرق لم يكن منه شيء. وهذا عجيب، (يخلق ما لا تعلمون) . وكذلك لا يستدل على إقليم الجاوة مسافروا البحر بكثرة إلا بكثرة لمع البرق لأنه يكون في أيام موسم سفارة الجاوة الأمطار كثيرة ويستد الأفق بالغمام ويشتد هيجان البحر. وقال آخرون: إنّه يطلع في تلك الأعمال شجر السندروس كثير فإذا جرى السندروس من شجرة بان لأهل السفارة البحر كلمع البرق وذلك من كثرة الأمواج التي ترفع المركب وتهبطه. ويقال إنّ الكاذي يتربى من البرق، وكذلك الحنون لم يفتح إلا في الليالي البيض. والخيار يدور مع دور الشمس واللينوفر. ويزيد مد البحر في الليالي المظلمة. وكل خشب يقطع في ليالي البيض يسوس وكل خشب يقطع في نقص القمر يستلفه السوس. ولم يقطع الطواحين إلا في الليالي البيض. وينقطع جميع مياه الأرض عند طلوع سهيل، ولم تصح دباغة الأدم إلا به. وقال ربان بن جبير: إذا طلع سهيل نقص ماء البحر أربعين ذراعا. وإما ورد الكاذي فلم يكن في سائر المشمومات ألذ منه رائحة ولا أطيب منه وماؤه بارد يابس ينفع لمن هو محرور رطب ويسمى عند الهنود كيورا.
صفة زبيد
سماها النبي (أرض الحصيب لأن النبي (قال لمعاذ بن جبل: يا معاذ إذا وصلت إلى الحصيب فهرول فإن بها نساء يشبهن حور العين. قال الهيتي:
1 / 31