فلما بويع لإبراهيم بن المهدي ببغداد في المحرم سنة اثنتين ومائتين وافق ذلك ورود علم اليمن بخروج الأشاعر عن الطاعة، فأثنى الحسن بن سهل على محمد بن زياد وعلى المرواني وعلى التغلبي عند المأمون وإنهم من اعيان الرجال وأفراد الكفاءة وأشار بتسييرهم إلى اليمن يعني أن ابن زياد يكون أميرا وابن هشام وزيرا والتغلبي حاكما مفتيا. فمن ولد التغلبي محمد بن هارون قضاة زبيد وهم بنو أبي عقامة، ولم يزل الحكم فيهم يتوارث حتى أزالهم علي بن المهدي حين أزال دولة الحبشة. فخرج الجيش الذي جهزه المأمون إلى بغداد لمحاربة إبراهيم بن المهدي. وحج ابن زياد ومن معه سنة ثلاث ومائتين وسار إلى اليمن وفتح تهامة بعد حروب جرت بينه وبين العرب وإختط زبيد في شعبان سنة أربع ومائتين، وفي هذا التاريخ مات الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي بمصر. وحج من اليمن جعفر مولى ابن زياد بمال وهدايا سنة خمس وسافر إلى العراق فصار المأمون بها فعاد جعفر هذا في سنة ست إلى زبيد ومعه ألف فارس من مسودة خراسان وسبعمائة فارس. فعظم أمر ابن زياد وملك إقليم اليمن بأسره الجبال والتهائم وتقلد جعفر هذا أمر الجبال وأختط بها مدينة المذيخرة وهي ذات أنهار، والبلاد التي كانت لجعفر تسمى إلى الآن مخلف جعفر. وكان جعفر هذا أحد الكفاة الدهات وبه تمت دولة ابن زياد، وهذا الذي أشترط على العرب بتهامة أن لا يركبوا الخيل. وملك ابن زياد حضرموت وديار كندة والشحر والمرباط وأبين ولحج وعدن والتهائم إلى حلى، وملك من الجبال الجند وأعماله ومخالف جعفر ومخالف المعافر وصنعاء وصعدة ونجران وبيحان. وواصل ابن زياد الخطبة لبني العباس وحمل الأموال والهدايا السنية هو وأولاده من بعده وهم أبراهيم بن محمد هذا الذي هو الملك وأقام في الملك بعده زياد بن إبراهيم فلم تطل مدته ثم ملك بعده أخوه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم وطالت مدته، فلما أسن وبلغ الثمانين في الملك تشعب عليه من دولته بعضها فممن أظهر ما يكره ملك صنعاء وهو من أولاد التبابعة من حمير واسمه يوسف بن أسعد بن يعفر ولكنه كان يخطب لأبي الجيش ولأبنيه وكانت ترفع أموال هذا أسعد بن يعفر لا تزيد على أربعمائة ألف دينار في السنة يصرف بعضها في المروءة ولقاصديه. وأما صاحب بيجان ونجران وجرش فهم أيضًا بأن يخرج من طاعة ابن زياد وهم صاحب صعدة فثار بها الشريف الحسني المعروف بالرسي.
ويقال في رواية أخرى: إنّ أمير المؤمنين محمد الأمين ولى محمد بن زياد بن محمود بن منصور اليمن فجاء محمد بن زياد إلى أرض الخصيب فوجد قوما يقتتلون في كل يوم إلى ضحوة نهار ويفترقون فدخل بينهم وأصلح بينه. وبنى قصرا على باب غلافقة وآثاره إلى الآن باقية فسكن فيه وأشترى ألف عبد. ويقال بل جاء بعساكر عظيمة من العراق وقال لهم: إذا دخل القوم للضيافة فالسيف عليهم! ونادى في مشايخ البلاد وكبار القبائل من الأشاعر وقدم لهم طعاما قد أحضر. فلما أشتغلوا بالأكل والتناول لبست العبيد وركبوا السيف من حضر فلم ينج منهم أحد، وركب على من كان حولهم من العربان من أهل القرى والعمارات. ولا زال على حاله إلى أن رجعت الخلق تستجير به من كان في طاعته كان يترك على رأسه أثر وهو قلنسوة من خوص النخل على هذا الوضع: " رسم ص ٦٩ " يعني لحرث الأرض فحرثت الخلق وعمر المكان وبقى الأثر والمهار سُنَةً إلى الآن. حدثني أحمد بن سعيد بن عمرو بن عويل قال حدثني شيخ كبير قد ناطح عمره المائة قال حدثني أبي عن جدي قال: إني كنت أرعى البقر عند مسجد الأشاعرة وبها عقدة شجر وغدير ماء. ويقال لمّا تعدى ابن زياد مكة صار كل منزل ينزله يأخذ تراب أرضه ويشمه ويبني في ذلك المنزل قرية، ولا زال على حاله إلى أن قدم أرض الحُصيب فأخذ من أرضه كف تراب فشمه وقال لأهل الدولة: أقيموا بنا هاهنا! قالوا: ولم؟ قال: لأن هذه الأرض أرض نزه زبدة هذه البلاد. قالوا: وبم صح عندك ذلك؟ قال: لأنها طيبة بين واديين يعني وادي زبيد ووادي رمع. فلما سكن المكان بناه مدينة سماها زبيد إلا أنها الزبدة على ما جرى في اليوم الأول.
فصل
1 / 26