Historia de Egipto desde la conquista otomana hasta casi el presente
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
Géneros
فرأى هنري أن يستكشف عن هذا الشاطئ، حتى إذا سار حوله إلى الشرق بحث عن طريق تؤدي إلى الهند من تلك الجهة؛ فأرسل لهذا الوجه بعوثا بحرية سنة بعد أخرى، فكان كل بعث يصل إلى وراء ما وصل إليه سالفه، حتى وصل آخر بعث في عهده إلى «جزائر الرأس الأخضر». وما زالت هذه الاستكشافات يتبع بعضها بعضا حتى بلغ «برتلوميودياز» الملاح البرتقالي الشهير إلى طرف أفريقيا الجنوبي، وسار حوله حتى وصل إلى خليج «ألجوا» سنة (891ه/1486م)، وسمي هذا الطرف «رأس الزوابع» - لهول ما لاقاه في السير حوله - ولكن ملك البرتقال «ابن هنري» أدرك قيمة هذا الكشف العظيم، ورأى أنه فاتحة خير لتحقيق أمنية دولته؛ وهي الاهتداء إلى طريق الهند، وعمل على مواصلة هذه الاستكشافات.
وفي هذه الأثناء كان المستكشف العظيم «خرستوف كلومب» قد خرج في بعث بحري أمده به ملك الإسبان، وسار به غربا يأمل الوصول إلى الهند من هذا الطريق الغربي اعتقادا منه بكروية الأرض، فوصل إلى إحدى جزائر الهند الغربية سنة (897ه/1492م)، فظن الناس أن هذه جزء من بلاد الهند، وأن «كلومب» قد كشف للإسبان طريقا إلى تلك البلاد أقصر وأسهل من الطريق الطويل الذي يعاني البرتقال كشفه، فوقفت الاستكشافات البرتقالية فترة من الزمن، إلى أن اتضح أن كلومب لم يهتد إلى طريق الهند ذاتها، وأن طريقه إن أدى إليها يكون أطول من الطريق حول أفريقيا؛ فرجع البرتقال إلى مواصلة استكشافاتهم، وفي سنة (901ه/1496م) أرسل ملكهم «إمانويل» بعثا لهذا الغرض برياسة الملاح العظيم «فاسكو دي جاما»، فوصل إلى رأس الزوابع الذي سماه تفاؤلا «رأس الرجاء الصالح»، وبعد أن كابد مصاعب جمة في المسير حوله، لشدة الرياح الجنوبية الشرقية، سار إزاء شاطئ أفريقيا الشرقي.
ومن ثم شرع يسأل من الثغور التي يمر عليها عن الطريق المؤدية إلى الهند، فكان كلما حل بثغر وجده مسكونا بالعرب، فكانوا يمتنعون عن إرشاده مخافة أن يجر عليهم ذلك منافسة تجارية لا طاقة لهم بها، وبعد أن أخفق سعيه في «مزنبيق» و«كلوة» و«منبسة» فاز في «ملندة»؛ حيث أخذ ما يلزمه من الزاد واصطحب معه أحد الهنود العالمين حق العلم بالطريق إلى «قليقوت» - على الشاطئ الغربي للهند - فوصلها «جاما» بهداية هذا الدليل في ثلاثة وعشرين يوما.
فاسكو دي جاما في حضرة الزامرين.
ولم يرحب به في بادئ الأمر ملكها الملقب «زامرين» - أي ملك البحار - بل زاد في تنفيره منه تجار العرب في تلك الجهات؛ إذ أفهموه أن البرتقال ليسوا إلا لصوص بحر لا عمل لهم إلا النهب والسلب في البحار، ولكن «جاما» - أول مستعمر أوروبي في الشرق - استعمل الملق والثبات ، وما زال بالزامرين يتملقه ويشرح له غرضه حتى استماله ورغبه في تبادل التجارة مع البرتقاليين، وعقد معه معاهدة تجارية كانت بعد ذلك سببا في زوال ملكه.
بذلك تم للبرتقال كشف طريق جديدة للهند؛ فكانت فاتحة لانقلاب عظيم في تجارة العالم بأسره؛ إذ أن نقل البضائع صار ينفق عليه بهذه الطريق ثلث ما كان ينفق بالطريق القديمة، فوق متاعبها ومضايقها؛ فكانت النتيجة أن تحول مجرى هذه التجارة العظيمة من مصر والشام والبحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأتلنتي حول شواطئ أفريقيا.
وقد وقع خبر كشف الطريق الجديدة وقوع الصواعق على مصر والأمم التجارية بالبحر الأبيض، ولا سيما البنادقة؛ لعلمهم أن فيه الضربة القاضية على أهم منابع ثروتهم. وكان البرتقال قد أخذوا في توسيع نفوذهم في بلاد الهند، غير مكتفين بالعلائق التجارية، بل استولوا بالسيف والمدفع على إمارة «قليقوت» وجعلوها في عداد مستعمراتهم.
وذلك أن السلطان الغوري اتحد سرا مع البنادقة ومع ملك «قليقوت» - الذي اتضح له سوء نية البرتقال - على أن يعملوا معا على نزع سيادة البرتقال من الشرق؛ فأنشأ الغوري أسطولا عظيما، وساعده البنادقة بجلب الأخشاب اللازمة لبنائه، فظهر الأسطول في البحار الهندية والتقى بسفن البرتقال بالقرب من شواطئ بمباي، فكانت الغلبة للمصريين، وقتل ولد الوالي البرتقالي «ألميدا» بالهند في تلك الموقعة، ولكن لم يلبث البرتقال أن جمعوا أسطولا آخر، وحاربوا المصريين في موقعة بحرية عظيمة بالقرب من جزيرة «ديو» أمام بمباي سنة (915ه/1509م) انتصروا فيها على المصريين في موقعة كانت هي الفاصلة في أمر التجارة الهندية.
فإنه لما خضعت مصر بعد للدولة العثمانية لم يصبح لها من الأمر شيء في مكافحة البرتقال. ولما اشتد عبث البرتقال بسفن غيرهم ممن حاولوا الاتجار في تلك البحار، بعث السلطان سليمان القانوني أحد ولاة مصر بأسطول لردعهم فلم يفلح. والحق أن العثمانيين لم ينتهزوا الفرص المناسبة لمنازلة البرتقال والاستيلاء على الثروة الهائلة التي كان يجنيها المماليك من مرور تجارة الهند من مصر والشام، فكان الواجب عليهم أن يتحدوا مع البنادقة - شركائهم في هذه الخسارة - ويستعينوا بهم في القضاء على أساطيل البرتقال، ولكنهم غفلوا عن ذلك، بل كانوا هم القاضين على قوة البنادقة بحروبهم التي شنوها عليهم واستيلائهم على كثير من أملاكهم.
ومن ذلك الحين كثر التلصص في البحر الأبيض، فقضى على البقية الباقية من التجارة التي كانت تمر من هذا البحر. (6) أشهر الولاة وأهم الحوادث
Página desconocida