Historia de Egipto desde la conquista otomana hasta casi el presente
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
Géneros
ثم لاحظ محمد علي أن أكثر ترع الوجه البحري واقع بطبيعة الحال شرقي دال النيل وفي وسطها لارتفاع سطح الفرع الشرقي عن الغربي؛ فعمد إلى زيادة المياه في تلك الترع بإقامة سد أصم على الأخير يكون من أحجار يرمى بعضها فوق بعض، ليمتنع الماء عن فرع رشيد ويرتفع في فرع دمياط فيملأ الترع الكثيرة المتفرعة من هذا الفرع. وفعلا شرع في العمل سنة (1249ه/1833م).
ولكن «لينان بك» - لينان باشا فيما بعد - أحد المهندسين الفرنسيين النبغاء الذين كانوا في خدمة الحكومة المصرية، أشار عليه بعدم إقامة هذا السد الأصم لما ينشأ عنه من حرمان أراضي فرع رشيد، ولرفعه مياه النيل وقت الفيضان في فرع دمياط إلى درجة يخشى منها، وعرض عليه مشروعا آخر، وهو إقامة قنطرتين عظيمتين في عرض فرعي دمياط ورشيد بعد نقطة افتراقهما عند رأس الدال، في كل قنطرة عيون تحكم عليها أبواب ترتج في كلا الفرعين بالتناوب أثناء الصيف، فإذا حجزت المياه وراءها عن فرع ارتفع الماء في الفرع الآخر، وملأ الترع العظيمة التي تستمد منه والتي يتوقف عليها الري الصيفي في الوجه البحري، وفي أيام الفيضان تفتح الأبواب فتسير المياه في مجراها الطبيعي بلا مقاومة.
فأعجب محمد علي باشا بالمشروع الجديد، وأمر بتشكيل لجنة لدرسه والبدء بإنفاذه في الحال.
4
وبعد فحص طويل قر رأي اللجنة على مشروع لينان باشا كما هو ، واختير لموضع القنطرتين موضعان على بعد 9 كيلومترات في فرع رشيد و5 كيلومترات في فرع دمياط. وعمل التصميم على أن تستقي من النيل ثلاثة «رياحات» عظيمة؛ أحدها من فرع رشيد، والآخران من فرع دمياط.
ثم ابتدأ العمل في أواخر (1249ه/1833م)، واستعان محمد علي على إنجازه بسرعة بتسخير الألوف من العمال، ولكن لسوء الحظ انتشر بالبلاد وباء عام (1251ه/1835م)، ففتك بكثير من العمال، وكاد العمل يقف جملة بالرغم من مقاومة لينان باشا ومثابرته. وما زال كذلك في الاحتضار حتى نصب لينان باشا على وزارة الأشغال فلم يعد له ذلك الإشراف المباشر على إنشاء القناطر. وسئم محمد علي بطء العمل، وانقلب شغفه مللا إلى أن أمر بتشكيل لجنة للنظر في الاستغناء عن المشروع، فأقرت اللجنة فائدة المشروع وأوصت بمواصلة العمل فيه، ولكن ملل الباشا كان قد بلغ أشده، فأمر بإيقاف العمل واستعمال ما بقي من المواد المعدة له في غيره من الأعمال.
وبقي المشروع كأن لم يكن إلى أن قدم إلى مصر مهندس فرنسي آخر يدعى «المسيو موجيل» - موجيل بك فيما بعد - عام (1258ه/1842م)، فعرض على محمد علي مشروعا آخر ضمنه إنشاء قلاع على القناطر لجعلها مركزا حربيا للدفاع عن مصر، لعلمه باهتمام الباشا بالشئون الحربية، فأعجب الباشا بالمشروع أيما إعجاب، وأمر لينان باشا أن يمد موجيل بك بما لديه من المعلومات في هذا الشأن.
ويختلف مشروع موجيل بك عن مشروع لينان باشا بأن موضع القنطرتين في الأخير كان على بعد 9 كيلومترات من رأس الدال في فرع رشيد و5 كيلومترات في فرع دمياط، بيد أن موجيل بك رأى إقامة القنطرتين في موضعين قريبين جدا من رأس الدال؛ فصارتا قريبتين إحداهما من الأخرى كأنهما عمل واحد، وفي ذلك تسهيل لإدارة حركة القناطر وصيانتها بعد إنشائها. على أن مشروع لينان باشا كان يمتاز باختيار موضعين صالحين جدا لإنشاء القناطر، لصلابة الأرض عندهما وموافقة الشواطئ لذلك.
فشرع موجيل بك في العمل عام (1259ه/1843م) مبتدئا بفرع دمياط، فلم تعترضه صعوبة تذكر، إلى أن ابتدأ العمل في فرع رشيد سنة (1263ه/1847م). فأخذ الملل يستولي على محمد علي، وأمر أن تضاعف السرعة في إنجاز العمل، فأضر ذلك بالأساس حتى صار من الضروري إصلاحه في العام التالي. ورأى موجيل بك أن يرجئ العمل سنة حتى يصلح وتعظم متانته فلم يرض الباشا. وبينا الأمر كذلك إذ مات محمد علي عام (1264ه/1848م) قبل أن يرى نتيجة المشروع الذي طالما تاقت نفسه إلى إتمامه.
ثم تولى عباس باشا الأول ولم تكن له ثقة في نجاح هذا العمل فأراد توقيفه، لكنه خشي الرأي العام، وسمح بمواصلته. وفي سنة (1269ه /1853م) أغضبه بطء موجيل بك فعزله، وسلم القناطر إلى مظهر بك، ثم استؤنف العمل في إنجاز القناطر دون الشروع في إصلاح أساسها وتقويم ما تصدع منها، فتمت بكل لواحقها من طرق وشرفات وقلاع عام (1277ه/1861م).
Página desconocida