Historia Moderna de Egipto: Desde la Conquista Islámica hasta Hoy con un Resumen de la Historia Antigua de Egipto
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Géneros
فرأى صلاح الدين إذ ذاك من قواته والأحوال المحيطة به ما يؤهله لبلوغ ما طالما كان يتمناه من الاستقلال بالملك. فصرح بسلطانه في مصر وسوريا وكان كذلك. فأصبح الصليبيون أعداءه مباشرة. أما هم فاغتنموا اشتغاله في جهات حلب وحملوا على البلاد الغربية من سوريا، وجعلوا يفتكون بأهلها ويسومونهم سوء العذاب؛ يقتلون بعضهم، ويأسرون البعض. فحاربهم طوران شاه أخو صلاح الدين فلم يقو عليهم. فبلغ ذلك أخوه وكان قد استقدم جندا مصريا. فأنفذ بعضهم فأرجعوا الصليبيين على أعقابهم فعاد إلى إتمام فتوحه فحارب سيف الدين غازي وفاز به، واستولى على بوزاع ومنبج وعيراز، حيث قبض على اثنين من الباطنيين وقتلهما بيده، وكانا مرسلين من قبل أمير الباطنيين ليقتلاه.
وختم صلاح الدين فتوحه بمعاهدة عقدها مع سيف الدين غازي والملك الصالح تقضي باستبقاء جميع البلاد التي فتحها تحت سلطته، وأن لا يكون للملك الصالح دخل فيها. (1-6) إصلاحات صلاح الدين بمصر
وعاد صلاح الدين إلى مصر في 20 محرم سنة 572ه بعد أن استخلف أخاه طوران شاه على دمشق، وكان قبل مسيره إلى الشام قد استخلف على مصر وزيره الأمير بهاء الدين الأسدي الخصي الفارسي الذي تقدم ذكره. فعهد إليه تدبير الأحكام، وأمره أن يقيم البنايات اللازمة لرونق البلاد ومنعتها. فأنفذ بهاء الدين ما عهد إليه بغيرة ونشاط، وكانت الجسور المبنية لتنظيم مجرى النيل عند الفيضان قد أهمل شأنها منذ تولى الخلفاء الفاطميون فإذا فاض النيل طغت مياهه على اليابسة، وخربت الطرق، وأفسدت الزرع؛ فمهد الطرق، واحتفر الترع، وأقام الجسور والسدود، واستخدم لذلك بعض حجارة الأهرام الصغيرة التي كانت تحيط بأهرام الجيزة وغيرها من أبنية المصريين القدماء، وأنشأ طريقا يمتد طولا على ضفة النيل فيقيها من صدمات المياه، وتسهل علائق العاصمة بمصر العليا والسفلى، وشاد فوق الترعة التي كانت تجري بين الجيزة وأهرامها جسرا عظيما مؤلفا من أربعين قنطرة.
شكل 10-1: قلعة القاهرة الآن.
ولم يكن لصلاح الدين إذ ذاك مسكن إلا القصران اللذان كانا للخليفة والوزير السابقين، ولم يكونا منيعين حق المنعة فجعلهما منزلا لأمراء الدولة وقواد الجند، وبنى في الطرف الشمالي من جبل المقطم على سفحه قلعة منيعة؛ لإرهاب الأهالي إذا حاولوا العصيان، وجعل فيها قصرا لبلاطه، وكان في ذلك المكان بناء قديم من عهد الدولة الطولونية يعرف بقبة الهواء فهدمه، وأقام القلعة في مكانه، وأتى بحجارتها من خرائب منف والأهرام وغيرها؛ فجاءت قلعة منيعة الجانب تشرف على كل المدينة، وليس في القاهرة بناء آخر أمنع موقعا من القلعة، وهي لا تزال باقية إلى هذا العهد، وتعرف بقلعة الجبل وقلعة القاهرة، واحتفر بهاء الدين في القلعة بئرا نقرا في الصخر عميقة جدا تسع كل ما تحتاج إليه الحامية من الماء، ولا تزال البئر والقصر إلى هذه الغاية يعرفان باسمه؛ فالبئر تدعى بئر يوسف، ويظن بعض العامة أنها سميت هكذا نسبة إلى يوسف الصديق بن يعقوب، والصحيح نسبتها إلى يوسف صلاح الدين الذي أمر باحتفارها، والغالب أن هذه البئر كانت محفورة من أيام قدماء المصريين، ثم طمرت بالرمال فأعاد صلاح الدين حفرها، وما بقي من القصر يعرف بديوان يوسف أو ديوان صلاح الدين.
وابتنى هذا الوزير أيضا حواصل كبيرة في الفسطاط لخزن الغلال التي ترد من الأعمال سنويا، ولا تزال تدعى إلى يومنا هذا بمخازن يوسف، وقد ظن بعضهم أنها من بناء فرعون في زمن يوسف الصديق. (1-7) سور القاهرة
وبعد أن فرغ بهاء الدين من إصلاح الترع والخلجان والطرق وبناء القلعة أخذ يهتم بإتمام سور القاهرة، وكان قد ابتدأ بعمارته السلطان صلاح الدين سنة 566ه وهو يومئذ على وزارة العاضد فلما عهد إلى بهاء الدين إتمامه عمل له رسما عظيم الاتساع يحيط بالقاهرة والفسطاط وقصر الشمع وما بينها من الأرض. إلا أنه استعظم بناءه بهذا الاتساع فجعله محيطا بالقاهرة والقلعة فقط، واضطر لقيام مشروعه هذا إلى هدم جوامع وبيوت وقبور كثيرة كانت في مكان السور.
ولم يكن الأهالي معتادين على الإذعان لأوامر صلاح الدين كسلطان، وبعضهم لا يزال متشيعا للدولة الفاطمية فاتهموه بالاستبداد، ولقبوا بهاء الدين بقراقوش، أي الطير الأسود وهو العقاب، ولا يزال بعض عامة الشرقيين يعبرون بهذا الاسم عن الاستبداد والعسف، وينسبون إليه أحكاما عجيبة في ولايته حتى إن الأسعد بن مماتي له كتاب لطيف سماه الغاشوش في أحكام قراقوش، وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهر أنها موضوعة، فإن صلاح الدين كان معتمدا في أحوال المملكة عليه، ولولا وثوقه بمعرفته وكفاءته ما فوضها إليه، وكان رجلا مسعودا وصاحب همة عالية.
وهذه هي المرة الثالثة لبناء سور القاهرة؛ ففي المرة الأولى بناه جوهر، وفي الثانية أمير الجيوش، وفي الثالثة بهاء الدين بأمر صلاح الدين فزاد فيه القطعة التي من باب القنطرة إلى باب الشعرية ومن باب الشعرية إلى باب البحر، وبنى قلعة المقس، وهي برج كبير جعله على النيل بجانب جامع المقس الذي يعرف اليوم بجامع أولاد عنان، وهو خارج باب البحر على يسار الذاهب من وجه البركة إلى محطة السكة الحديد، وانقطع السور من هناك.
وزاد في سور القاهرة قطعة مما يلي باب النصر ممتدة إلى باب البرقية، وإلى درب بطوط، وإلى خارج باب الوزير يتصل بسور قلعة الجبل فانقطع من مكان يقرب من الصوة تحت القلعة، وإلى الآن آثار الجدر ظاهرة للمتأمل فيما هو آخر السور إلى جهة القلعة، وجاء دور هذا السور المحيط بالقاهرة 29302 من الأذرع الهاشمية.
Página desconocida