Historia Moderna de Egipto: Desde la Conquista Islámica hasta Hoy con un Resumen de la Historia Antigua de Egipto
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Géneros
كان أحمد بن طولون قد عرف دسائس ابن المدبر وشقير الخادم، وكان الوزير قد أرسل إليه جميع الكتب الواردة منهما بحقه، وبعد يسير توفي شقير خوفا، وهم ابن طولون بعزل ابن المدبر لكنه عرف بعد ذلك أن أخاه على خزينة الخليفة فأغضى عنه، أما ابن المدبر فكان قد مل مناظرة ابن طولون، وهو لا يقوى على كيده، فطلب إلى أخيه أن ينقله إلى وكالة خراج سوريا ففعل، وقبل تركه مصر أعاد صلات المودة مع ابن طولون فأزوج ابنته لخمارويه بن أحمد بن طولون، ووهبه معها الأملاك التي كانت له في مصر.
ثم أرسل المعتمد يستحث ابن طولون في جمع الخراج، فأجابه: لست أطيق ذلك والخراج في يد غيري، فأحيل الخراج إليه، فأصبحت جميع أعمال مصر الإدارية والعسكرية والمالية بيده، فألغى الخراج الهلالي الذي وضعه ابن المدبر، وقبل إلغائه حسب مقداره فبلغ مائة ألف دينار سنويا، فأحب أن يستشير بشأنه، فتشاور مع عبد الله بن دسومة أمين متولي الخراج، وكان عاتيا طماعا، فقال: إن أمنني الأمير تكلمت بما عندي، فقال له: قد أمنك الله - عز وجل - فقال: «أيها الأمير، إن الدنيا والآخرة ضرتان، والحازم من لم يخلط بينهما، والمفرط من خلط بينهما، فيتلف أعماله، ويبطل سعيه، وأفعال الأمير - أيده الله - الخير، وتوكله توكل الزهاد، وليس كمثله من ركب خطة لم يحكمها، ولو كنا نثق بالنصر دائما طول العمر؛ لما كان شيء عندنا آثر من التضييق على أنفسنا في العاجل بعمارة الآجل، ولكن الإنسان قصير العمر، كثير المصائب، مدفوع إلى الآفات، وترك الإنسان ما قد أمكنه وصار في يده تضييع، ولعل الذي حماه من نفسه يكون سعادة لمن يأتي من بعده، فيعود ذلك توسعة لغيره بما حرمه هو، ويجتمع للأمير - أيده الله - بما قد عزم على إسقاطه من الهلالي في السنة بمصر دون غيرها مائة ألف دينار، وإن فسخ ضياع الأمراء والمتقبلين في هذه السنة؛ لأنها سنة ظمأ توجب الفسخ زاد مال البلد، وتوفر توفرا عظيما، فيضاف إلى مال الهلالي فيضبط له الأمير - أيده الله - دنياه، وهذه طريقة أمور الدنيا، وأحكام أمور الرئاسة والسياسة، وكل ما عدل الأمير - أيده الله - إليه من أمر غير هذا فهو مفسد لدنياه، وهذا رأيي، والأمير - أيده الله - على ما عساه يراه.»
فقال ابن طولون: ننظر في ذلك - إن شاء الله - وشغل قلبه كلامه، فبات تلك الليلة بعد أن قضى أكثر الليل يفكر في كلام ابن دسومة، فرأى في منامه رجلا من إخوانه الزهاد في طرسوس، وهو يقول: «ليس ما أشار عليك من استشرته في أمر الارتفاق والفسخ برأي تحمد عاقبته فلا تقبله، ومن ترك شيئا لله - عز وجل - عوضه الله عنه، فامض ما كنت عزمت عليه.» فلما أصبح أنفذ الكتب إلى سائر العمال بذلك؛ فأبطل الضرائب المتقدم ذكرها، ونشرت في سائر الدواوين بإمضائه، ثم دعا ابن دسومة، وأخبره بما كان، فقال له: «قد أشار عليك رجلان؛ الواحد حي في اليقظة، والآخر ميت في النوم، وأنت إلى الحي أقرب، وبضمانته أوثق.» فقال له: «دعنا من هذا فقد قضي الأمر، ولست قابلا منك ما تقول.»
وفي غد ذلك اليوم ركب أحمد نحو الصعيد، فلما أمعن في الصحراء ساخت في الأرض يد فرس أحد غلمانه، فسقط الغلام في الرمل، فإذا بفتق فتح، فتقدم أحمد، وأمرهم أن يحفروا هنا ففعلوا، فأصاب فيه من المال ما كان مقداره مليون دينار، وهو الكنز الذي شاع خبره، وكتب إلى العراق يخبر به المعتمد، ويستأذنه فيما يصرفه فيه من وجوه البر وغيرها فأذن له؛ فبنى منه مستشفى، وحصنا، وسبيلا، وجوامع، وفرق قسما منه على الفقراء. (1-1) إصلاحاته
وأول جامع شاده ابن طولون: جامع التنور، ابتناه على قمة جبل المقطم في مكان كان يدعى تنور فرعون، يقال: إنه سمي كذلك لأنه على مرتفع، فكانوا يضرمون فيه النار ليلا، فظن بعض المشايخ أن في ذلك المكان كنزا، فأخذ يحتفر فيه فلم يظفر بشيء، فعلم ابن طولون فاحتفر فأصاب مالا أكثر كثيرا من ذي قبل، وعند ذلك أمر ببناء الجامع هناك، ودعاه جامع التنور، واحتفر ابن طولون بئرا عند بركة الحبش تعرف ببئر عفصة، وابتنى ساقية، وقناطر خارج المغافر عرفت بقناطر ابن طولون ناظر بناءها مهندس مسيحي ماهر، ولا تزال آثارها باقية.
وفي سنة 260ه أعاد أحمد بن طولون حفر ترعة الإسكندرية، وكانت قد سدت بالرمال المحمولة، وبنى في الإسكندرية آبارا مسقوفة بالبناء العقد، وأحواضا تحت الأرض؛ لكي يأتي منها بالماء العذب النقي ما يكفي المدينة، وفي تلك السنة ركب مع رئيس خزنته أبي أيوب والقاضي بقال في جزيرة الروضة فرأى المقياس محتاجا إلى إصلاح؛ فأمر بإصلاحه إصلاحا متقنا أنفق عليه عشرة آلاف دينار، وأقام أبو أيوب بعد يسير مقياسا آخر في دار الأسلحة في الجزيرة المذكورة؛ حيث بنيت السجون، ولكن لم يبق منها إلى أيام المقريزي إلا أثر طفيف.
وفي أواخر السنة المذكورة توجه أحمد بن طولون إلى الإسكندرية؛ لتفتيش الأشغال التي كان أمر بإجرائها، وأوصى بها لابنه البكر العباس، ثم أمر بترميم منارة الإسكندرية، وأقام فوقها القبة، ويقال: إن هذه المنارة كان ارتفاعها خمسمائة قدم.
وأمر ابن طولون ببناء المستشفى (المارستان) في العسكر، وقد كانت الفسطاط قبله مجردة من مثل ذلك، وخصص لأجل النفقات اليومية للمستشفى والبنايات الأخرى أطيانا واسعة تأخذ محصولاتها، وخصص لها أيضا دخل مبيع الرقيق، وكان يأتي بنفسه لزيارة المستشفى، وتفقد سير الأطباء فيه، وعيادة المريض والمجاذيب، واتفق ذات يوم أن أحد المجاذيب في المستشفى هم بقتله، ولولا القضاة لذهب بحياته، ولم يكن شيء من ذلك ليثني عزمه عن العيادة، وبنى في العسكر حمامين، وقد بلغ مقدار نفقات بناء المستشفى والحمامين والجامع عند جبل المقطم ستين ألف دينار، وبقيت هذه البنايات رغم التقلبات السياسية التي كان يخشى أن تذهب بها، ولا يزال كثير من آثارها إلى هذه الغاية. (1-2) محارباته
قلنا: إن إبراهيم بن الصوفي فر من وجه أحمد بن طولون، والتجأ إلى الواحات الكبرى في الصحراء، فهذا تمكن بعد ذلك من التجنيد، والتقدم نحو مدينة أشمونين، فبلغ ذلك ابن طولون فأنفذ إليه جيشا تحت قيادة ابن أبي الغيث، وهذا لم يلتق بجيش ابن الصوفي، فسار لمحاربة عبد الرحمن العمري وكان معتديا على حدود النوبة، وبعد حرب شديدة سار ابن الصوفي إلى أسوان فلاقاه ابن أبي الغيث مغضيا عن أبي عبد الرحمن، وحاربه ففر من وجهه، وسار من طريق عيذاب إلى مكة حيث قبض عليه، وأرسل إلى أحمد بن طولون، فألقاه في السجن مدة، ثم صرفه مؤذنا له بالسكنى في المدينة، وبقي فيها إلى أن توفاه الله.
أما أبو عبد الرحمن العمري فاستفحل أمره، وأقام الاستحكامات في النوبة فشق ذلك على أحمد، ولم يستطع صبرا؛ فأنفذ إليه جيشا آخر تحت قيادة شبه الببكي إلى أسوان، فلما بلغها رأى أبا عبد الرحمن مشتغلا بمقاومة جيوش زكريا ملك النوبة والحرب بينهما قائمة، فقال: هذه فرصة لا يصح ضياعها، فهجم على حصون أبي عبد الرحمن بدون أن يستأذن من ابن طولون، فلم يعبأ أبو عبد الرحمن بتكاثر الأعداء عليه فجعل رجاله فرقتين، وحارب الفئتين، وتغلب على شبه، وأعاده على أعقابه صفر اليدين إلى الفسطاط، فلم يصادف من ابن طولون إلا احتقارا وانتهارا.
Página desconocida