فالأولى هي دولة عيلام؛ تألفت من المدائن والقبائل الواقعة شرقي دجلة، وقد يسمونها دولة شوشية باسم أهل مدائنها (مدينة شوشة).
وأما الثانية؛ فقد تألفت من المدن والعشائر المستوطنة غربي دجلة، وسموها في العادة بدولة كلديا، وسأحفظ لها هذا الاسم وأجعله علما عليها، ولو أنه غير صحيح، ولا ينطبق عليها فيما يختص بالعصور السابقة على القرن الثامن قبل الميلاد. وكان أهلوها يقسمونها إلى قسمين عظيمين وهما؛ قسم شومير وقسم أكاد، وكما أن الفراعنة كانوا يلقبون أنفسهم بأسياد الإقليمين وملوك القطرين القبلي والبحري؛ كان ملوك الكلدانيين كذلك يحبون أن يدعون بملوك شومير وأكاد.
خلاصة ما تقدم (1)
أرض كلديا هي كبلاد مصر في كونها هبة من هبات المياه، ولكنها تكونت من نهرين هما دجلة والفرات، وهذان النهران يخرجان في بلاد أرمنية من جبل نيفاتس، ثم يتحدان قبل أن ينصبا في الخليج الفارسي بقليل، فيصيران نهرا واحدا يعرف بشط العرب، ويستمد الفرات في سيره بمياه نهر الخابور وبليخ، وأما دجلة فيستمد بنهري الزاب ونهر أدهم ونهر ديالى. (2)
وجميع القسم الأسفل من حوض هذين النهرين أحدث في التكوين من القسم العلوي، فقد كان الخليج الفارسي في العصر الذي يبتدئ فيه تاريخ كلديا داخلا في الأراضي زيادة عما هو عليه الآن بأربعين مرحلة، وما كان دجلة والفرات يختلطان ببعضهما في ذاك العهد. (3)
وقد كان قسم من هذه الأراضي تغمره مياه الفيضان فتجعله بطائح، وقسم آخر محروما منها فلم يكن صالحا للزراعة، وكان الإقليم ولا يزال إلى الآن عرضة للتغيير الكثير ، وليس في هذه البلاد غابات كثيرة بل هي شبيهة بمصر في توفر النخيل وكثرته بها، وينبت فيها القمح وغيره من الحبوب بما يأتي بالمحصول الزائد والخير العميم. (4)
الحيوانات الأهلية المستخدمة في هذه البلاد هي نفس المعروفة في مصر؛ وهي الثور والحمار والضأن والمعز والخنزير، وقد عرف أهلها الفرس والجمل قبل أن يعرفهما المصريون. (5)
قد نشأت دولتان في هذا الوادي المستعد استعدادا تاما لأن يكون مهدا لحضارة فائقة، فتكونت الدولة الأولى من جملة دول صغيرة على شرقي دجلة وهي مملكة عيلام، وكانت قاعدتها مدينة شوشة. وأما الممالك الصغيرة الأخرى الواقعة على غربي دجلة، فقد تألفت منها الدولة الثانية التي اصطلح الناس واعتادوا على تسميتها كلديا، وهي مؤلفة من قطر شومير وقطر أكاد.
لا يقال الدجلة بأداة التعريف «ال» كما لا يقال فرات بدونها، بل الفرات. وأغلب كتاب العرب يؤنثون «دجلة» باعتبار اللفظ، ويذكرونه باعتبار النهر. ورد ذكره في الكتاب المقدس وسمي بالسريع، وكان الماديون يسمونه دجل؛ أي السهم؛ لسرعة سيره، وسماه العبرانيون الداجل؛ أي السريع، ثم قالوا أدجل ثم دجلة، وسماه الرومان دجليتوس، وحرفه اليونان إلى تجرس وتابعهم الإفرنج في تسميته تيجر
Tigre
Página desconocida