كانت هذه الأشكال الفاسدة عن أصلها أول ما توجهت إليه همة الباحثين، وحامت حوله أنظار الطالبين المدققين حينما وجه العلماء من الإفرنج عنايتهم إلى العاديات المصرية؛ فتحققوا أن في اللهجات الحديثة بقايا من اللهجات القديمة، ولكنهم لما أرادوا أن يدرسوا الكتابة ويقفوا عليها لم يعرفوا ما هي الطريقة التي ينبغي لهم استخدامها في فك هذه الطلاسم والرموز. وانتهى القرن السابع عشر والثامن عشر الميلاديان ولم يجن العلماء ثمرة من اجتهادهم وانصبابهم على هذا العمل وكدهم وكدحهم في هذا السبيل، ولم تبتدئ الأبحاث المهمة إلا عند حملة الجنرال بونابرت على مصر، وذلك أن لجنة من العلماء أخذت ترود البلاد وتجوبها مدة ثلاث سنين من سنة 1799 إلى سنة 1801 وهي مشتغلة برسم خريطة القطر ورسم مواقع الأطلال ونسخ صورة النقوش البارزة والكتابات، التي على الآثار وألفوا ذلك الكتاب الفريد والسفر الحافل الجليل المعروف ب «وصف مصر» الذي لم يفقه كتاب كاتب، بل لم ينسج على منواله إلى الآن ناسج. وفي أثناء ذلك وجد بوستار وهو من ضباط الطوبجية بالقرب من مدينة رشيد أمرا رسميا بتمجيد الملك بطليموس الخامس وهو مكتوب بخطوط ثلاثة «هيروغليفي وديموطيقي ويوناني»، وحينئذ أشار العلامة الفاضل والمحقق الخالد الذكر سلفستر دوساسي والموسيو آكربلاد السويدي إلى المعنى الذي تدل عليه بعض العلامات في الكتابة الديموطيقية، بل إن الثاني منهما رتب حروف هجاء من المستعملة في القلم الديموطيقي، ما زال العلماء يعولون على معظمها، وما برح أكثرها معتبرا لديهم وموافقا للصحة والضبط ثم رجع العلماء إلى البحث والتنقير من سنة 1814 إلى سنة 1818، وكان أولهم العالم الإنجليزي الطبيعي توماس يانج، فعرف في الخانات الملوكية الموجودة في النقش الذي على حجر رشيد اسم بطليموس وبرنيقة (أو برنيكة) واستخرج منها ألف باء صغيرا قد تحقق العلماء بعد ذلك من صحة خمسة علامات منه وموافقتها للحقيقة والواقع ولكنه لم ينجح في مسعاه الذي قصد به توفية البحث واستكمال فك هذه الرموز، ولا زال الحال على هذا المنوال حتى جاء شامبوليون فظفر بالضالة المنشودة ونال الفخار كل الفخار بالوقوف على كنه هذه الأسرار. (4) ذكر شامبوليون
ولد شامبوليون الصغير في مدينة فيجاك (بندر مقاطعة اللوت بفرنسا) في 24 ديسمبر سنة 1790 (شكل
8-1 )، واشتغل بدرس اللغات الشرقية منذ شبيبته، وخصوصا اللسان القبطي، ومن سنة 1811 إلى سنة 1814 نشر الجزءين الأولين من كتابه الذي سماه «مصر في عهد الفراعنة» صحح فيهما جغرافية هذه البلاد مستندا على تواريخ وآثار قبطية، وبعد أن اعتقد وجزم بأن الهيروغليفي هو عبارة عن علامات تدل على أفكار ومعان مستقلة بالمفهومية رجع عن هذا الاعتقاد، وانتهى أمره بالاعتراف بأنها علامات يتلفظ بها، وقد ضمن أول نتيجة ظهرت من أعماله في رسالة بعث بها إلى المسيو داسييه السكرتير الدائم في جمعية النقوش والآداب، وطبعت هذه الرسالة في شهر سبتمبر سنة 1833، فقابلها الناس ببعض الإنكار، وقلة التصديق، ولكنه أزاح الشك، وأزال الريب عن صحة هذا الاكتشاف عندما نشر بعد ذلك بسنتين كتابه الذي سماه «خلاصة على قواعد الكتابة الهيروغليفية».
شكل 8-1:
شامبوليون الشاب ولد سنة 1790 وتوفي سنة 1832.
وقد حلل شامبوليون الخانة الملوكية
التي رأى فيها العلامة يانج اسم بطليموس، ثم فصلها إلى
باء و
تاء و
واو و
Página desconocida