- ذكر توجه مولانا السلطان الملك الظاهر إلى قيصرية -
لما ظفر بأعدائه ، ونال منهم بغية سويدائه ، جرد الأمير شمس الدين سنقرالأشقر في جماعة لإدراك من فات من المغل ، والتوجه إلى قيصرية ، وكتب معه كتابا بتأمين أهلها ، وإخراج الأسواق ، والتعامل بالدراهم الظاهرية . ثم رحل مولاناالسلطان بكرة يوم السبت حادي عشر ذي القعدة قاصدا قيصرية ، فمر في طريقه بقرية اهل الكهف ، ثم على قلعة سمندو ، فنزل إليه واليها ومتسلمها مذعنا لطاعته ، فشكر له ذلك ، ثم على قلعة درندا ، وقلعة دوالو ، ففعل من فيها كما فعل من تقدم . وما زال يغذ مستظهرا جبلا ومستبسطا واديا ، حتى نزل ليلة الأربعاء الخامس عشر من الشهر بقرية قيصرية [ شرقي جبل عسيب] ، فبات بها . فلما أصبح رتب عساكره المنصورة ، وأمر أجناده أن يضيف كل منهم كمال الشارة إلى حسن االصورة . ولما أحس أهل قيصرية منهم الوصول ، خرجوا إليه بجملتهم مستبشرين بلقائه مستمطرين اليمن والبركة من تلقائه ، وكانوا قد أعدوا لنزوله الخيام بوطاة عرف بكيخسروا [قريبا من المناظر التي لملوك الروم] . فلما قرب منها ، ترجل وجوه الناس على طبقاتهم ، ومشوا بين يديه إلى أن وصلها ، وتبواها . فلما كان يوم الجمعة السابع عشر من الشهر ، ركب صبيحته لصلاة الجمعة ، فدخل يصرية ، ونزل دار السلطنة ، وجلس على التخت ، ووفى له بما وعده البخت ، وحضر بين يديه القضاة والفقهاء والصوفية والقراء، وجلسوا في مراتبهم على عادة ملوكالسلجوقية . فأقبل عليهم وأصغى إليهم ، ومد لهم السماط فأكلوا وانصرفوا . ثم تهيا الصلاة الجمعة ، وحضر الجامع ، فرقم الخطيب حلة خطبته بنعوته الشريفة ، وأعلن السامعون لها بأدعية أضحت الإجابة بها مطيفة . فلما قضيت الصلاة ، وفرقت علىالصلين من خزاين رحمة الله الصلات ، أحضرته بين يديه الدراهم التي وسمت وجوهها باسمه ، وضربت سكتها برسمه ، وحمل إليه ما كانت زوجة البرواناة كرجي خاتون تركته من الأموال التي لم تستطع استصحابها حين خروجها ، وما خلفه سواها ممن انتزح معها . حكى لي من أثق به أن البرواناة بعث إلى السلطان الملك الظاهر ، لما دخل قيصرية ، يهنيه بالجلوس على التخت ، فكتب إليه يأمره بالوفود عليه ليولي ه مكانه ، ويوالي عليه إحسانه ، فكتب إليه يسأله أن ينتظره خمسة عشر يوما ، وكان مراده أن يصل إلى أبغا ، ويحضه على المسير ليلتقي بالسلطان في البلاد ، فلم يتم ذلك ي حدس السلطان ، فاجتمع تتاوون بالأمير شمس الدين سنقر الأشقر ، وعرفه مكرالبرواناة في طلبه الانتظار من السلطان ، وأنه يريد بتربصه أن يلحقه أبغا في البلاد . فكان ذلك سببا لرحيل السلطان عن قيصرية .
Página 175