Historia de la Locura: Desde la Antigüedad hasta Nuestros Días
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Géneros
في عام 1774، صوت البرلمان على قانون تنظيم مشافي المجانين الخاصة الذي نظم عملية احتجاز المختلين عقليا في المصحات الخاصة وقننها. بموجب هذا القانون ، لم يكن ممكنا افتتاح أي مؤسسة أو تشغيلها دون الحصول على ترخيص من السلطة العامة، التي يتعين إعلامها بجميع حالات الدخول المستجدة. وكانت جولات التفتيش التي يقوم بها المفوضون المعينون من قبل البرلمان، والذين تتولى كلية الطب الملكية دفع رواتبهم، تستهدف التأكد من أن عمليات الاحتجاز قانونية وأن المختلين عقليا يعاملون بإنسانية. في الواقع، كان لا بد من الانتظار عدة أعوام لتصبح هذه التدابير فعالة، ولكن هذا لا ينفي أنه قد أعطيت دفعة قوية أولية لتشريع خاص بشأن المرضى عقليا. بالإضافة إلى أن جنون الملك جورج الثالث، الذي أصبح واضحا ابتداء من عام 1788، وما استتبعه من عراك بين الخبراء، كان من شأنهما تعزيز انشغال الرأي العام بهذه المسألة.
بلغ هذا «النموذج» الإنجليزي أوج ازدهاره وتجلى في أبهى «صوره» مع إنشاء مأوى ذا ريتريت في يورك، الذي أسسته عائلة توك المنتمية إلى طائفة الكويكرز. في عام 1791، لقيت إحدى سيدات الكويكرز مصرعها في ظروف مريبة داخل مشفى المجانين بيورك، الذي كان قد أنشئ قبل ذلك بعشرين عاما. وقد استنكر ويليام توك (1732-1822) - وكان يعمل تاجرا للشاي والقهوة - الأوضاع المعيشية السيئة داخل مشفى يورك، وانتهى بإقناع أعضاء طائفة الكويكرز بتمويل بناء دار مخصصة للمصابين بالجنون، بحيث تكون هذه الدار - التي لا تعد مشفى ولا ملجأ ولا سجنا - بمنزلة مؤسسة إنسانية، أو بالأحرى بيت خلوة، ومن هنا جاءت تسميته ذا ريتريت. فتحت المؤسسة أبوابها في عام 1796، وكانت تضم في ذلك الحين ثلاثين مريضا وسبعة موظفين. وقد أسهم هؤلاء الموظفون السبعة، من الطبيب إلى الحارس، في تطبيق نظام الإدارة بأسلوب غاية في الإنسانية. فكما ترتدي اليد الحديدية قفازا مخمليا، ينصهر الطابع التربوي والمعياري للاحتجاز في بوتقة الإحسان والرحمة والرفق التي يغلفها هيكل شبه عائلي.
شارك هنري، الابن البكر لويليام، في حياة المؤسسة الجديدة، ولكنه توفي قبل الأوان. ثم خلفه ابنه الأكبر صموئيل (1784-1857) الذي قدم للعالم الغربي «بيت الخلوة»، في عام 1813، من خلال كتابه «وصف بيت الخلوة، تلك المؤسسة الواقعة بالقرب من يورك والمخصصة للمرضى عقليا التابعين لجمعية الأصدقاء. لمحة تاريخية عن أصل هذه الدار، وإنجازاتها، وطرق العلاج المتبعة فيها، وعرض للحالات.» بعد عرض تاريخ «ذا ريتريت» وإعطاء وصف دقيق للأماكن وللائحة الدار، خصص فصلان؛ أحدهما للعلاج الطبي، والآخر - تقريبا أطول من مثيله بثلاث مرات - للعلاج المعنوي الذي برز بوضوح كمرادف للإدارة. في هذه الأثناء، ظهر المصطلح في كتابات فيليب بينيل، الذي كان صموئيل توك يستشهد به في كثير من الأحيان، وسنتطرق بالطبع إلى هذه النقطة فيما بعد. علام يرتكز العلاج المعنوي في «بيت الخلوة»؟ بما أن الجنون مصدره الذهن، يتعين أولا التأثير في العقل. يملك المختلون عقليا («المجانين»، ولكن صموئيل توك أعلن عن استعداده لتبني مصطلح «المريض عقليا» المقتبس من الفرنسية) درجة من التحكم في «ميولهم السيئة». إن حسهم الفكري والأخلاقي غالبا ما يكون مشوها أكثر منه مدمرا. ومن ثم بإمكاننا التأثير في عقل الأحمق عن طريق كسب ثقته وتحويل انتباهه إلى أغراض مناقضة لجنونه. ينقسم العلاج المعنوي إلى ثلاثة أجزاء. في الجزء الأول، لا بد من مساعدة «المريض» على ضبط نفسه. الخوف ليس محظورا، ولكن ينبغي التحكم في جرعته كما يحدث عند تربية الطفل. فيجب أن تسبقه التربية والسلطة. تساهم العديد من العوامل المتمثلة في الحياة المنضبطة، والعمل، والدين؛ في تعزيز ضبط النفس. يتوقف الجزء الثاني عند وسائل الإخضاع: التقييد في السرير، وفي الغرفة، والحبس في غرفة مظلمة، والتغذية القسرية بالنسبة إلى العديد من المختلين عقليا الذين يرفضون تناول الطعام، والأحزمة الجلدية وسترات المجانين المخصصة لتقييد المهتاجين والسيطرة عليهم (باستثناء سلاسل العار)، ويتم تطبيق هذا النظام بدقة وبصورة منتظمة مصحوبا بكلمات الإقناع. يعقب هذه المرحلة الثانية، التي وطدتها المرحلة الأولى، المرحلة الثالثة التي تقتضي استكشاف سبل الترويح عن النفس والتعزية والراحة المتمثلة في الحوار المناسب لكل مريض على حدة، والأنشطة الترفيهية التي تهيئ المناخ الملائم للتواصل الاجتماعي، والقراءات المنتقاة ما عدا الروايات، وزيارات الأصدقاء التي تعد سلاحا ذا حدين؛ ولذا لا يتم السماح بها إلا للمرضى اللذين هم في طور النقاهة.
ولكن، بما أنه لا كرامة لنبي في وطنه، فإن وصف بيت الخلوة، الذي سرعان ما حظي فيما بعد بأهمية كبيرة لدى أطباء الأمراض العقلية في العالم أجمع باعتباره نموذجا، أثار جدلا واسعا في إنجلترا، بتحريض من مصحتي بدلام ويورك اللتين اعتبرتا أنفسهما موضع نقد، وهو ما حدث بالفعل. نتج عن هذا الجدل تحقيق برلماني أسفر في عام 1815، بعد أن تقدم السيد ويليام توك الهرم للإدلاء بشهادته شخصيا أمام مجلس العموم، عن انتصار «بيت الخلوة» وعلاجه المعنوي الذي أصبح أخيرا نموذجا رسميا في بلاده.
الفصل الثالث
عودة سريعة إلى فوكو
نحن بحاجة الآن إلى الرجوع سريعا إلى أطروحة ميشيل فوكو لنرى ماذا يقول عن العلاج المعنوي، وعن ميلاد الطب النفسي؟ وفقا لفوكو، الفرق بين العلاجات الفيزيائية والعلاجات المعنوية (النفسية) «لم يعرف طريقه إلى الوجود بكامل عمقه إلا [...] حينما أدخل القرن التاسع عشر الجنون وشفاءه، من خلال اختراعه «للطرق الأخلاقية» الشهيرة، ضمن لعبة الذنب. إن التمييز بين الفيزيقي والأخلاقي لم يصبح مفهوما عمليا في الطب العقلي إلا في اللحظة التي انتقلت فيها إشكالية الجنون إلى التساؤل حول الذات المسئولة»، باستثناء أنه لا يوجد ترادف في تاريخ الجنون بين المسئولية والذنب. إن المفهوم الرواقي للمسئولية - غير المباشرة (إذ إن المسئول الحقيقي، هو الأهواء) - لا يمكن أن يجعل من المجنون مذنبا، حتى ولو على المستوى «الأخلاقي» وحده. بيد أن هذا التحويل في المعنى أمر لا غنى عنه لميشيل فوكو للوصول إلى أطروحته المركزية؛ فهو لا يستهدف في نهاية المطاف العصر الكلاسيكي وإنما القرن التاسع عشر؛ حيث سترتبط معالجة الجنون - في رأيه - بالعقاب (ستنتظم السيكولوجيا، باعتبارها أداة للعلاج، حول العقاب). فالجنون المختبر في العصر الكلاسيكي بوصفه حماقة «سيصادر كله ضمن الحدس الأخلاقي» في إطار القرن التاسع عشر الوضعي، و«لن ينظر إليه إلا باعتباره مرضا».
في الواقع، لم يخترع القرن التاسع عشر العلاج المعنوي، الذي رأينا كيف تشكل ببطء طوال القرن الثامن عشر وكيف تعود جذوره القوية إلى العصور القديمة التي يتجاهلها فوكو عمدا؛ نظرا لأن استمراريتها تضر بخطابه كثيرا. وإذا اعتبرنا أن العلاج المعنوي (أو العلاج الأخلاقي) هو ألف باء الاستراتيجية الطبية للقرن التاسع عشر فيما يتعلق بمعالجة الأمراض العقلية؛ فهذا يعني تجاهل انهياره السريع، حتى قبل التصويت على قانون 1838. فلقد تلاشى العلاج المعنوي - كما سنرى - بفعل الممارسة داخل المشافي نفسها التي شهدت نشأته.
يستهل ميشيل فوكو الجزء الثالث والأخير من أطروحته بالتفكير في المعنى العميق للحوار الفلسفي، الذي كتبه ديدرو في مؤلفه «ابن شقيق رامو»، ولا سيما في تأملات ابن الأخ حين قال: «أنت تعرف أني رجل جاهل ومجنون وسفيه وكسول.» يقول فوكو: «قد يحلو لنا للوهلة الأولى أن نصنف «ابن شقيق رامو» ضمن القرابة القديمة بين المجانين والبهاليل.» ولكن فوكو يرى فيه على العكس من ذلك «نموذجا فكريا مختصرا للتاريخ [...] يرسم الخط المنكسر الذي يسير من «سفينة المختلين عقليا» إلى الكلمات الأخيرة لنيتشه، وربما إلى صراخ أرتو.» وهكذا يظهر «ابن شقيق رامو» بوصفه الشخصية الأخيرة التي يجتمع فيها الجنون واللاعقل، قبل الفصل الباثولوجي بينهما في القرن التاسع عشر. وسيرتكز خطاب فوكو، في هذا الجزء الأخير، على «إعادة رسم حركة هذا التمييز من خلال ظواهره الأنثروبولوجية الأولى»: «إن هذا الميدان غير القابل للاقتسام الذي تعينه سخرية «ابن شقيق رامو» كان من الضروري أن يأتي القرن التاسع عشر من خلال روحه الجدية؛ لكي يفك رموزه ويرسم بين ما كان غير قابل للفصل حدودا مجردة للباثولوجي.»
ومع ذلك، نعتقد أننا أوضحنا بما فيه الكفاية أن الجنون بمعناه الطبي واللاعقل بمعناه الفلسفي والأخلاقي، كان يتم التمييز بينهما بوضوح منذ أوائل العصور القديمة (ولا يوجد تقريبا أي ربط بين الجنون والخطيئة إلا في دين العبرانيين، ثم في دين المسيحيين). طالما كان التذبذب بين المعنيين، حتى في القرون الوسطى، ضربا من الاستعارة أو المجاز أو التماثل على أقصى تقدير. لم يكن هناك قط أصل مشترك (إن لم يكن على صعيد الكلمة نفسها)، ولا بالأحرى «حدود مجردة للباثولوجي».
Página desconocida