Historia de la Locura: Desde la Antigüedad hasta Nuestros Días
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Géneros
لم تكتف إنجلترا بتمني امتلاك مشاف مخصصة للمجانين، وإنما حولت الحلم إلى حقيقة ببنائها إياها. وكانت البداية في القرن السابع عشر مع إنشاء المشفى الأشهر بين المشافي جميعها، وهو مشفى بيت لحم بلندن، المعروف باسم بدلام، والذي أصبح مرادفا لمشفى المجانين في جميع أرجاء البلاد. كان مشفى بدلام ديرا تأسس في القرن الثالث عشر، ثم صادره الملك هنري الثالث ومنحه إلى مدينة لندن. وقد بدأ في استضافة المجانين منذ نهاية القرن الرابع عشر، وذلك قبل أن يصبح في القرن السابع عشر المشفى الوحيد للمجانين في إنجلترا. على غرار مشفى باريس العام، كان مشفى بدلام مركزا يتدفق عليه المختلون عقليا من جميع أنحاء المملكة. على الرغم من الأعمال الإنشائية الهامة التي تم إنجازها فيما بين عامي 1675 و1676، كانت قائمة الانتظار طويلة. مقابل 50 مريضا عقليا محتجزين، كان هناك ما بين مائة إلى مائتي مريض ميئوس من شفائهم ينتظرون أحيانا خمسة أو ستة أعوام لدخول المشفى. وكما هي الحال في فرنسا، تزايدت عمليات الاحتجاز بشكل ملحوظ إبان القرن الثامن عشر. وفي عام 1730، بلغ تعداد المجانين في بدلام 250 مجنونا إجمالا، سواء القابلون للشفاء أو الميئوس من شفائهم، ومن ثم تجلت ضرورة إجراء توسعات جديدة. في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وزعت 275 حجرة على خمسة أروقة مسقوفة. ومنع مرضى الصرع والمعاتيه من دخول المشفى. وكان الصيدلاني يمر يوميا على المشفى، والطبيب ثلاث مرات أسبوعيا. «يعد مشفى بيت لحم أثرا بارزا ومشهورا للإحسان البريطاني. وسواء أخذنا في الاعتبار فخامة المبنى التي تليق به، أو التصميم الداخلي المناسب وتوزيع الغرف بشكل مريح، أو الراحة التي يوفرها للبؤساء المقيمين فيه؛ فإننا نستطيع أن نؤكد أن هذا المشفى لا مثيل له في الكون كله.»
19
وبمتابعة هذا الإطراء المبالغ فيه، نجد أن أحمقين من بين كل ثلاثة «كانا يستعيدان عقليهما» بعد الخضوع لعلاج لمدة عام واحد. ومع ذلك، ترسم لنا بعض الروايات المرعبة التي تصف بدلام صورة مناقضة تماما لما ذكرناه سابقا. فعلى سبيل المثال، لم يلغ عرض المجانين - حيث كان المتفرجون يدفعون المال لقاء مشاهدة المختلين عقليا - الذي كان يشكل موردا رسميا لا يستهان به لدخل المشفى إلا في عام 1770. وقد ألهم هذا العرض العديد من الفنانين مثل ويليام هوجارث. وتبين اللوحة التي صور فيها هذا المشهد في عام 1735 أن هذه المؤسسة لم تكن يوما ميناء لراحة المرضى عقليا. فيما وراء الهجاء اللاذع، يعكس لنا الفنان ببصره الحاد صورة من وحي الطبيعة لما قد يعد بالنسبة إلى المجنون أبشع من جنونه الخاص: وهو مشهد جنون الآخرين، الذي يجد نفسه مرغما على معايشته في نطاق مساحة ضيقة للغاية.
من الواضح أن بدلام كانت هي المؤسسة الوحيدة المخصصة لاستقبال المختلين عقليا؛ إذ كنا نجدهم في جميع مؤسسات الاحتجاز غير المتخصصة مثل السجون في حال ارتكابهم جريمة، وبيوت العمل، والإصلاحيات، والمنازل التي توفر المسكن والمأكل نظير دفع نفقة إقامة (وهي منازل للرعاية وليست للعلاج) ... وهو الوضع الذي يذكرنا، حتى منتصف القرن الثامن عشر، بمثيله في فرنسا. في إنجلترا أيضا، توالت التشريعات في البداية على استحياء. كنا نرى بلها أثناء عمليات مطاردة المتسولين، التي لم تكن أمرا خاصا بفرنسا وحدها. وقد خصصت للمختلين عقليا مادة في قانون 1744، الذي جاء في أعقاب أعمال لجنة برلمانية كانت مكلفة بإعادة النظر في قوانين التشرد. وكان السؤال الأبدي الذي يطرح نفسه دوما هو: من سيتكفل بمصاريف رعاية، وحراسة، وعلاج هؤلاء المختلين عقليا أو المجانين (العائلة، أم الأبرشية، أم المدينة، لم يرد أي ذكر للملك)؟ أما عن الجملة التي نقرؤها مرارا بشأن أحد المجانين: «تم احتجازه سالما في مكان آمن»، فهي تشدد على فكرة الاحتجاز الآمن، ولكنها تظل غامضة حيال تحديد مكانه. كنا في انتظار ميلاد مشافي المجانين، باستثناء مشفى بدلام الذي بدا وكأنه مأوى أكثر منه مشفى للمجانين.
كان مشفى بدلام مكتظا على أي حال؛ ولذا كان من المنطقي تماما إنشاء مشفى القديس لوقا للمجانين في لندن، عن طريق الاكتتاب العام. يرتبط ميلاد هذا المشفى الخاص ارتباطا وثيقا بشخص الدكتور ويليام باتي (1703-1776)، الطبيب الأول بالمشفى وعضو الكلية الملكية للأطباء، ثم رئيسها. لقد سبق أن ذكرنا «أطروحته الهامة حول الجنون»، والتي عرض فيها وسائل العلاج التي كان بصدد تطبيقها في مشفى القديس لوقا. لماذا - يتساءل باتي - أنشأنا في لندن مشفى آخر للمجانين؟ يتعلق الأمر بتزويد هذا المشفى بعدد من الأطباء الشباب وبفريق عمل مؤهل؛ من أجل «دراسة وممارسة واحد من أهم فروع الطب». علام يرتكز علاج الجنون في مشفى القديس لوقا؟ كان علاج الجنون يجري باتباع الطرق العلاجية التقليدية، ولا سيما العلاجات المفرغة ومضادات التشنج. بيد أن ما وضعه باتي في المقدمة وسلط عليه الضوء هو «الإدارة» بما تشمله من [سلوك، وحكم، وتوجيه]: الإدارة تفعل أكثر مما يفعله الطب في هذا المرض. لا يمكن معالجة الجنون إلا في مصحة خاصة؛ حيث يتم الاعتناء بالمجنون ورعايته بشكل كامل في كل ساعة من اليوم. فالمصحة التي تنتزع المجنون من بيئته المتسببة في مرضه تسمح باسترداد الجسد لعافيته، وفي الوقت نفسه كبح جماح الغرائز المنحرفة وتبديد الفكر الثابتة المتسلطة على رأس المريض. وهكذا استقر العلاج المعنوي لأول مرة - بالطبع قبل ظهور المصطلح نفسه - في المصحة وأصبح جزءا لا يتجزأ من عملية الاستشفاء.
حاول جون مونرو - طبيب ببدلام - أن يسخر من المذهب الجديد (ملاحظات على أطروحة دكتور باتي عن الجنون)، مدافعا عن الطرق العلاجية التقليدية (العلاجات المفرغة وبالأخص المطهرات المعوية)، ومؤكدا أن أطباء بدلام، الذين يرى أنهم تعرضوا ضمنيا لهجوم في بحث باتي، يقومون أيضا بتطبيق «الإدارة» والاحتجاز العلاجي. ولقد ذهب مونرو - إذا صدق القول - إلى أبعد من زميله في اتباع الطرق العلاجية غير الفيزيائية، وذلك من خلال العمل على التأثير في المختلين عقليا باللين وليس بالخوف، وذلك بعد البحث عن سبب الجنون عند كل واحد منهم. أما عن مبدأ استبدال عاطفة بأخرى، الذي تركه باتي لتقدير الممارس، فقد كان مونرو معارضا له؛ إذ يرى أنه خطأ شائع منذ العصور القديمة. فهجمات عاطفة ثانية لن يكون لها إلا آثار سلبية على عقل المريض الذي أضعفته العاطفة المستحوذة عليه. تكمن أهمية هذا الجدال بين طبيب بدلام وطبيب مشفى القديس لوقا في أنه أثار نقاشا حول فكر معالجة الجنون، وهو نقاش ظل مرتبطا بشكل ملموس ببناء مشافي المجانين. أنشئت مشفى مانشستر للأمراض العقلية في عام 1763، ومشفى نيوكاسل أبون تاين في عام 1767، ومشفى يورك في عام 1777، ومشفى ليفربول في عام 1790، والعديد من المشافي الأخرى. واعتبارا من عام 1753، أصبح يسمح لأطباء مشفى القديس لوقا بتعليم وتدريب تلاميذ في مشفاهم؛ «من أجل الصالح العام»، مجسدين بذلك حلم باتي الأساسي الذي عد رائدا للتعليم السريري للطب النفسي.
لم يكن هذا العمل الخيري الإنساني مصحوبا دائما بشفقة مبالغ فيها. فيما يتعلق بمشفى مانشستر، تمت الإشارة بشكل حاسم في أحد المؤلفات المترجمة إلى الفرنسية في عام 1777
20
إلى ضرورة إنشاء مشاف متخصصة ومجانية للفقراء؛ ليس فقط لأن المجنون جدير بالشفقة والرحمة ولذا يستحق مشفى، وإنما أيضا لأنه مثير للإزعاج، ومن ثم يجب أن يتوارى عن أعين الجميع. «وبتجميع عدد من المختلين عقليا في مصحة مشتركة، يصبح بالإمكان التقليل من عدد المشرفين.» وأضاف المؤلف قائلا: «إنه تفكير محزن حقا، حين نظن أن الأمل نادر في الشفاء التام من هذا المرض.» يتطلب علاج الجنون «إدارة» قاسية : «ففي فن المداواة يجب أن يكون الاهتمام منصبا بشكل كامل على وسائل اكتساب سلطة حقيقية على الطبع والأهواء، وذلك من خلال الاستعانة بالعواطف والأفكار العقلية المناقضة؛ وهي مهمة تقتضي ملاحظة مستمرة، وخبرة كبيرة، في التعامل مع الحالات المماثلة، بالإضافة إلى الحزم والأمن اللذين تستطيع العادة وحدها توفيرهما.»
في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، افتتحت مصحات عامة أو شبه عامة للأمراض العقلية في غالبية المدن، لتضاف بذلك إلى المؤسسات الخاصة المتعددة، التي كانت تستقبل منذ القرن السابع عشر، خلافا لدور الاحتجاز الجبري الفرنسية (وعلى غرار الدور الخاصة الباريسية)؛ المختلين عقليا دون غيرهم من المرضى. بيد أن هذه المصحات كانت أكثر تنوعا؛ فبعضها، مثل مؤسسة السير جوناثان مايلز الكبرى في شرق لندن، كان يحتجز المجانين المعوزين الذين يتكفل بهم المسئولون القائمون على تنفيذ قانون الفقراء. والبعض الآخر كان يضع قائمة بالأسعار المختلفة لنفقة الإقامة، التي قد تصل أحيانا إلى خمسين ضعفا للسعر الأساسي المقرر لتكلفة إعالة المعوزين، كما هي الحال في دار تايسهرست هاوس (ساسكس)، التي ظلت تديرها لما يقرب من قرنين عائلة نوينجتن، وكان يعمل بها مائة وخمسون خادما وحارسا لخدمة ورعاية أقل من نصف هذا العدد من النزلاء. كان يوجد أيضا دور عديدة ذات مساحة صغيرة للغاية؛ حيث كان يقوم المالك غالبا بإيواء اثنين أو ثلاثة من المختلين عقليا في بيته الخاص. في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، تعالت الأصوات منددة بما أطلق عليه «تجارة الجنون». وقد أثار العديد من حالات الاحتجاز المشكوك فيها الصحافة وهيجت الرأي العام. لم يستطع أحد أن ينسى أنه في ظل هذه المملكة، وليس في مكان آخر، تم التصويت رسميا في عام 1679 على قانون المثول أمام القضاء، الذي يحق بمقتضاه لكل مواطن محبوس أن يمثل أمام القاضي الذي وقع على أمر توقيفه؛ حتى يتم بالدليل القاطع إثبات وجود دافع للاعتقال [عليك إحضار الشخص بشحمه ولحمه للمثول أمام القاضي]. وفي حالة عدم توافر هذا الدليل، يصبح لزاما على القاضي إصدار أمر بإطلاق سراح الشخص المحتجز. لقد كان تيار العمل الخيري الإنساني الذي كان ساريا إبان القرن الثامن عشر أكثر رسوخا في إنجلترا منه في فرنسا، وقد حلت محله بقوة الماسونية التي أوجدها كذلك في إنجلترا مذهب الفلسفة النفعية، ولا سيما الطوائف البروتستانتية، مثل الكويكرز (جمعية الأصدقاء الدينية) أو الإنجيليين.
Página desconocida