اعتاد الكتاب إهداء ما يطبعونه من مؤلفاتهم ومصنفاتهم إلى الذين يعتقدون فيهم النفع والفضل بما يأتونه من جليل الأعمال، ولما كان اعتقادي بكم مطابقا لما دونته في ترجمة حياتكم رأيت أن أهدي هذا المؤلف إليكم، وحسبه فخارا أنه تاريخ أمة أنتم من عظمائها، ألا وهي الأمة التي إذا ذكر رجال الفضل كان منها النوابغ في الدين والعلم والسياسة، وقد استوى منها الملوك على العروش، فعدلوا في الرعية أحقابا طوالا، وبارك الله حكمهم، وأنمى في أيامهم شعبهم، فطبقت شهرتهم الآفاق، وبلغوا ذرى المجد والفخار بأعمالهم الصالحة، ناهيك عمن نبغ منها من الفلاسفة العظام والشعراء المجيدين والمؤرخين المحققين والكتاب والمحسنين.
فقارئ هذا الكتاب يرى شعار الحق والأمانة والاجتهاد ممثلا في الأمة التي أنتم منها، فحري بي أن أهدي إلى جنابكم كتابي هذا لتقادم عهد الوداد بيننا؛ ولأني آنست في أعمالكم المجيدة النفع العام لسكان هذا القطر السعيد فتقبلوه تذكارا لفضلكم، واعترافا بجميلكم أدامكم الله.
شاهين مكاريوس
الخواجه فيلكس سوارس.
فيلكس سوارس
فيلكس سوارس، وأعني به الرجل الطائر الصيت والشهرة، صاحب الأيادي البيضاء في كل مأثرة ومبرة، مبتكر المشروعات العظيمة والشركات الجليلة والأعمال النافعة التي أفادت القطر المصري، وفتحت سبل الخير لألوف من الناس على اختلاف مللهم ومذاهبهم، بل هو نابغة الأقران الذين يشار إليهم بالبنان لجوده وسماحته وتواضعه ومكارم أخلاقه ومبراته حتى كنوه بأبي الفقراء، ولقبوه جامع الشمل، ومجير الأيتام، وجابر عثرات الكرام.
صاحب هذه الترجمة هو الخواجه فيلكس سوارس ابن المرحوم إسحاق سوارس من عائلة كريمة أثيلة في المجد، ولد في مصر في 26 طيبت سنة 5603 عبرية/29 ديسمبر سنة 1842 ميلادية، وتوفي والده سنة 1848 عن خمسة أولاد أكبرهم مردخ توفي سنة 1861، وتوفي أخوه يعقوب سنة 1865، ويوسف سنة 1900، وأختهم سنة 1902، أما شقيقه الهمام الوجيه الخواجه روفائيل سوارس فلا يزال بعون الله ساعده الأيمن في مشروعاته المشكورة، وعماده الأقوى في أعماله المبرورة، بالاشتراك مع حضرات الوجهاء الخواجات إخوان رولو الذين لخصنا شيئا من تاريخهم بغير هذا المكان.
ولم يكن صاحب الترجمة عند وفاة أبيه متجاوزا السادسة من عمره، فاعتنت به والدته المرحومة نظلة سوارس اعتناء عظيما فربته على أقوم المبادئ وأشرفها، وأشربته حب الفضيلة والتقوى والاعتماد على النفس، فشب وشاب عالي الهمة مقداما تزينه حكمة الكهول في سن الشباب وقوة الشباب وإقدامهم على جليل الأعمال في سن الكهولة، وأدخلته والدته إحدى المدارس لتلقي العلوم والمعارف، فأتقن اللغات العربية والفرنسوية والإيطالية، ثم تخرج على معلمين خصوصيين، فكانوا يعلمونه في منزله، وخرج بعد ذلك إلى معترك الحياة، فكأنه بدر ظهر من وراء غمام تدفعه الآمال السامية والأماني الشريفة وتتقد في صدره نار العزم والهمة.
وكان أخوه المرحوم مردخ يتعاطى التجارة مع المرحوم إبراهيم شماع والد حضرة الخواجه ماركتو شماع، فلما توفي سنة 1861 دخل خلفه صاحب الترجمة شريكا، وظل كذلك إلى سنة 1873، واقترن في تلك السنة بالسيدة ركيتا كريمة المرحوم أصلان بك قطاوي، وشقيقة حضرات يوسف بك أصلان قطاوي، والخواجات جاك وأدولف وإميل وإخوتهم أبناء أخي الوجيهين السريين موسى بك ويوسف بك قطاوي أنجال المرحوم يعقوب بك قطاوي، فرزق منها أربعة صبيان وخمس بنات.
وفي سنة 1872 شرع يظهر جواهر آماله الكبيرة، فشمر عن ساعد الهمة والإقدام، وباشر تأسيس أعماله العظيمة، فأسس في السنة المذكورة محلا اشترك فيه مع حضرات الخواجات أنريكو نحمان وشقيق حضرة قرينته الخواجه جاك قطاوي دعي باسم «محل سوارس ونحمان وشركائهم في مصر»، وفي سنة 1876 انضم إليهم الخواجات رولو، وبقي اسم المحل كما كان، وأنشئوا في تلك السنة محلا في الإسكندرية باسم «الخواجات روبين رولو وأولاده وشركائهم»، ثم أسس محلا في مصر سنة 1882 باسم «بيت إخوان سوارس وشركائهم»، مع إبقاء محل سوارس ونحمان في مصر على حاله، وحول سنة 1886 المحلين إلى محل واحد سماه «بيت إخوان سوارس وشركائهم»، وبقي محل الإسكندرية على حاله أيضا.
Página desconocida