تأسست الملكية اليهودية سنة 1095ق .م، وانتهت بسبي اليهود وخلع صدقيا آخر ملوكهم سنة 588ق.م، فتكون مدتها 509 سنوات.
وبعد أن مسح صموئيل شاول وأقنعه أنه سيكون ملكا على إسرائيل ذهب إلى المصفاة، وهي مكان اجتماعهم العام وأرسل فدعا الشعب ليوافوه إليها، فلما اجتمعوا أعلن لهم اختياره شاول ملكا عليهم ثم أوقفه بينهم، فإذا به أطولهم قامة، ففرح به الشعب ونادوا به ملكا عليهم، ولم يطل به الأمر حتى ظفر بالعمونيين فتضاعف سرور الشعب به لذلك، وبالغوا في إكرامه وعيدوا عيدا لجلوسه ذبحوا فيه الذبائح وأقاموا الألعاب، وأمره الله أن يحارب العمالقة ووعده بأن يدفعهم إلى يده وأمره أن لا يبقي على أحد منهم، وأن يبيد جميع مواشيهم فحاربهم وانتصر عليهم، لكنه عفا عن ملكهم أجاج ولم يخرم الغنم والبقر والماشية، فغضب الله عليه ونزع منه الملك وأعطاه لداود.
ثم أصيب بالسويداء فتبدلت أخلاقه واستولت عليه الهموم والمخاوف، فأضاع رشده وحدث في أخريات أيامه أن الفلسطينيين جيران اليهود وأعداءهم الألداء جمعوا جيشا كثيفا وتقدموا يريدون غزاة الإسرائيليين، فلقيهم شاول بجموعه وهو يحسب لتلك الحرب ألف حساب ولما التحم الفريقان انكسر الإسرائيليون وقتل أبناء شاول الثلاثة وجرح جرحا بليغا، فلما خشي أن يقع في الأسر سقط على سيفه فمات، وانهزم الإسرائيليون شر هزيمة.
وبقي شاول ملكا إلى يوم قتله فحكمه منفردا دام سنتين فقط.
وتولى الملك بعده داود وهو النبي الشاعر والبطل الباسل صاحب جليات جبار الفلسطينيين الذي أذاق الإسرائيليين مرارة الذل وهو يدعو فرسانهم وجبابرتهم كل يوم إلى النزال، وقد ارتعدت فرائص الأبطال منه فنازله داود بمقلاعه ورماه بحجر فقتله به، ثم انقض عليه فاحتز رأسه وأنقذ الإسرائيليين، وصاهر شاول بعدئذ فتزوج ابنته، وخطب يوناثان ابن شاول وده فعاشا صديقين حميمين أو أخوين حبيبين حتى ضربت بصداقتهما الأمثال، ولما سقط يوناثان قتيلا رثاه داود بأرق المراثي وأشجاها وبكى عليه بكاء مرا، وملك داود سبع سنين ونصف سنة في حبرون (الخليل) على سبط يهوذا، ثم استولى على ما بقي من المملكة وحارب سكان أورشليم وهي بيت المقدس فقهر أهلها اليبوسيين، وامتلكها فجعلها عاصمة ملكه وبنى فيها المباني الفاخرة وشاد الحصون المنيعة، فصارت مباءة الأسرة المالكة ومركز عبادة اليهود، وهي مهوى أفئدتهم اليوم، كما أنها قبلة أنظار المسيحيين.
وحارب داود الأمم المجاورة لبلاده، فظفر بهم في جميع مواقعه، فعظم شأنه وانتشرت صولته وامتدت هيبته في البلاد وسعدت أرض إسرائيل في أيامه، ثم ثار عليه أحد أبنائه فحاربه داود وغلبه، وعقب ذلك فتنتان أخريان كان الظفر فيهما له، وقبل موته عهد بالملك إلى ابنه سليمان وأوصاه ببناء الهيكل وخلف بين يديه الأموال الطائلة والعدة الكثيرة لبنائه، وكانت مدة ملكه نحو إحدى وأربعين سنة، وعلى قمة جبل صهيون اليوم بناء يسمى قبر داود.
وكان شاعرا موسيقيا اتخذه شاول ضارب عود في بيته أيام أصيب بالسويداء، وقد نظم الجزء الأكبر من المزامير وهي آيات في البلاغة والبساطة والرقة، ولا تزال على قدم عهدها وكثرة المنظومات الدينية بعدها منتشرة بين اليهود والنصارى يكثرون من قراءتها، ويطربون لبلاغتها حتى إن بعض طوائف الإنجيليين لا يترنمون في معابدهم إلا بها.
وعقبه ابنه سليمان بويع له بالملك في حياة أبيه كما تقدم، وهو الملك الحكيم الذي ضربت بحكمته الأمثال، واشتهر اسمه في كل العصور والبلدان، حتى إن شهرته تفوق شهرة من غبر من الملوك والسلاطين ممن سبقه أو جاء بعده، وفي عصره اعتز شأن الإسرائيليين وامتد ملكهم من البحر الأحمر إلى نهر الفرات الكبير، وهابتهم الأمم المجاورة لهم، وتزوج سليمان ابنة فرعون كما تقدم، وعقد معاهدة مع حيرام ملك صور وبنى هيكله المشهور فاستجلب مشاهير الصناع والبنائين والنحاتين وأتى بالأرز من جبل لبنان، وأرسل سفنه في الآفاق تجوب البحار فبلغت ترشيش في جنوب إسبانيا، فجاءت منها بالذهب والفضة والعاج والطاووس وأتوا من أوفير
2
بالذهب والحجارة الكريمة والعطورات، وانتشر صيت سليمان في جميع الممالك والبلدان، وسارت بحكمته الركبان فأصبح حكم المشرق وأعظم سلاطينه، وجاءته ملكة سبأ من أقاصي اليمن لتخبر حكمته فرأت منه ما أذهلها وجاء الخبر فوق الخبر، وقد روى الرواة عنها وقائع لا محل لذكرها هنا، وكان سليمان حكيما شاعرا نطق بألوف من الأمثال التي تدل على مبلغ إدراكه وسمو معارفه وفرط بلاغته، وله من الشعر نشيد الإنشاد، وهو من أرق ما قيل في الغزل وسيأتي الكلام على حكمته وشعره في الفصل الخاص بذلك، وكانت مدة حكمه أربعين سنة ذاق فيها الإسرائيليون الهناء والرخاء، وكرعوا كئوس المسرات والنصر، ورزقوا السعد، حتى إن عصره ليحسب العصر الذهبي لأمتهم؛ لأن المملكة كانت في أشد عنفوانها مرهوبة الجانب، محترمة من الملوك والأمراء، وتقدمت الصنائع تقدما عظيما بما شاد سليمان من المباني الفاخرة كالهيكل والقصر والمدن الكثيرة والمعاقل والحصون، ولما زاد غنى الشعب المادي أخذوا بالاهتمام بالكماليات، كما يرى من مراجعة أخبارهم لذلك العهد على ما هو مدون في التوراة.
Página desconocida