فاللحيانييون هؤلاء يجوز أن يكونوا ورثوا المعينيين والسبئيين ووجدوا قبل النبطيين أي كانت دولتهم بين الخمس مئة والثلاث مئة سنة قبل المسيح، ثم ظهرت آثار النبطيين في القرن الثاني قبل المسيح، وبقيت دولة هؤلاء النبطيين إلى سنة مئة وستة قبل المسيح إذ تغلب عليهم الرومان، وكانت مدينة النبطيين هي بتراء - أي وادي موسى اليوم - وكان يمتد ملكهم إلى مدين وبلاد بني سليم الوارد ذكرها في نشيد الإنشاد من التوراة، وقد عثروا في وعرة الصفاة من حوران على كتابات مشابهة لحروف الهجاء العربية اليمنية، أما الكتابة النبطية - موصولة الحروف - فهي مشتقة من الفرع الآرمي من الكتابة الكنعانية، أو يرجح أنها هي أصل الكتابة العربية التي اصطلحوا عليها في القرن الثالث بعد المسيح.
وأقدم كتابة عربية معروفة اليوم هي كتابة «نمارة» في شرق حوران، تاريخها سنة ثلاث مئة وثمان وعشرين بعد المسيح، وهذه الكتابة تتعلق بملك يقال له امرؤ القيس هذا كان يمتد إلى نجران اليمن.
جاء في الانسكلوبيديا الإسلامية أنه ربما كان امرؤ القيس هو أحد ملوك المناذرة اللخميين، قلنا: هذا محقق، إذ جاء فيهم بحسب ما في تاريخ أبي الفداء ذكر امرئ القيس بن عمر، ثم عمرو بن امرئ القيس، ثم امرئ القيس المحرق بن عمرو وهو والد النعمان الأعور، ثم جاء امرؤ القيس بن النعمان وقد تابع أبا الفداء في ذلك جرجي زيدان السوري، وعلي ظريف الأعظمي العراقي، وقابلنا بين هذه السلسلة التي ذكرها كل منهما وبين تاريخ صالح بن يحيى التنوخي فوجدنا أن في سلسلة صالح بن يحيى ذكر امرئ القيس بن النعمان الأعور بن امرئ القيس المحرق بن عمرو بن امرئ القيس الأول بن عمرو بن عدي اللخمي، وقابلناها مع سجل نسب العائلة الأرسلانية اللخمية فوجدنا أن المنذر الذي أمه ماء السماء، أي المنذر الأول هو ابن امرئ القيس الثالث بن النعمان الثاني ابن امرئ القيس الثاني بن النعمان الأول ابن عمور الثاني بن امرئ القيس الأول بن عمرو بن عدي اللخمي.
فمن هنا يعلم أنه يوجد عدة ملوك من اللخميين باسم امرئ القيس، ولكن المقصود بالذات هنا هو الملك الذي تولى منهم بين سنة مائتين وخمسين وثلاث مئة وثلاثين بعد المسيح.
فهذا امرئ القيس الأول الذي يقال لها لمحرق، ويقال له البدء فإنه ملك بين سنة مائتين وثمان وثمانين وثلاث مئة وثمانية وعشرين، وقد كان اللخميون عمالا للأكاسرة كما كان الغسانيون عمالا للقياصرة، وكان مقصد ملوك الفرس باستعمال ملوك الحيرة أن يكونوا فاصلا بين الفرس والعرب، ويصدوا غارات القبائل العربية على العراق، ومثل ذلك كان مقصد ملوك الروم بواسطة الملوك أولاد جفنة الغسانيين ردع العرب عن شن الغارات في جنوبي سورية.
فهذا جل ما يعرف من تاريخ العرب قبل الإسلام، وكلما توغل هذا التاريخ في القدم ازداد غموضا كما لا يخفى، غير أن هناك حقيقة اتفق عليها الباحثون من علماء الإفرنجة ولا سيما الذين نقبوا عن الكتابات الحجرية المبثوثة في جزيرة العرب، وهذه الحقيقة أنه في نحو الأف سنة قبل المسيح كانت للعرب - لا سيما في اليمن - مدنية في غاية الارتقاء والازدهار، وبعض العلماء يذهب
ومنهم صاحبنا الأستاذ المستشرق «موريتز
Morits » الألماني إلى أن أصل إيجاد الكتابة بالحروف بعد الكتابة الهيروغليفية كان في اليمن، وهو يعتقد أن اليمانيين هم الذين اخترعوا الكتابة وليس الفينيقيون هم الذين اخترعوها كما هو الرأي المشهور.
وقد أفضى موريتز إلي بأدلته على هذا الرأي وقال: إن الفينيقيين إنما بنوا كتابتهم على الكتابة العربية اليمنية، ثم إن اليونانيين أخذوا الكتابة عن الفينيقيين وعنهم أخذ الرومانيون، فيكون العرب هم الذين أوجدوا الكتابة في العالم، وبهذا الاعتبار هم الذين أوجدوا المدنية.
وأما المستشرق «هومل
Página desconocida