Goguel » من علماء فرنسا توخى فيه الرد على الدكتور «كوشو
Couchoud » الفرنسي وغيره من علماء الألمان والهولنديين والإنجليز الذين لم يجدوا في الأناجيل حقائق تاريخية تثبت على التمحيص، بل كل ما وجدوا فيها تقريبا هو من باب الدعاية الدينية المحضة.
ومنهم من رجح كون المسيح رمزا، وأنه لم يوجد أصلا. فالمسيو غوغويل يبين ما في هذه الأقاويل من المبالغات، وهو يقول إن وجود عيسى محقق، وأن الأخبار الواردة في الأناجيل يمكن ربط بعضها ببعض وأخذ نتيجة تاريخية صحيحة منها، وهو يرى أن ادعاء كون المسيح رمزا فيه من المشكلات التاريخية أكثر من القول بأنه وجد بالفعل.
نعم إن المسيو موريس غوغويل يعتقد أن كثيرا من روايات الأناجيل غير واقعية، بل مطيقة على التقاليد النصرانية تطبيقا لمجرد الدعاية، أو بحسب الاعتقاد وأن هذا في واد والتاريخ في واد. وكذلك رينان في كتابه الشهير «في حياة يسوع» يعترف بتطبيق بعض الروايات على النبوات السابقة تعمدا أو تعملا.
ولنعد إلى بحث الدكتور «بينيه سانغليه» فهو يذكر أن إنجيل لوقا كتب سنة 64 وأن لوقا لم يكن من الذين عاصروا المسيح، ولا كان يهوديا، ولكن في كلامه كثير من العبري والأرامي فهو بدون شك من أصل سامي. وقد كان لوقا فيما يظهر من المتصوفة وكان مذهبه في التاريخ أن يجمع ويرتب الحوادث بدون اعتناء في أمر صحتها وعدمه.
ولكنه لم يكن يسلم من التكرار والتناقض . ويظهر أنه كان طبيبا، وله عدا الإنجيل المذكور كتاب اسمه «أعمال الرسل». وهذه الأناجيل الثلاثة لم يأت القرن الثاني للمسيح حتى كانت هي المساند المعول عليها عند جميع النصارى. أما إنجيل يوحنا بن زبدي فقد كتب بين سنة 80 و90 في آسيا الصغرى وهو يأخذ عن الأناجيل السابقة، وعن وثائق لم يطلع عليها مرقص ومتى. وقد كان يوحنان هذا يهوديا وكانت كتابته بالعبرانية، وكان مطلعا على العهد العتيق، وكان يجهد في إثبات أن المسيح هو ابن الله، ويأتي بجمل من العهد العتيق ليستخرج منها إشارات إلى مجيء المخلص، ويكثر من الكنايات والاستعارات والتأويلات، وعندما يذكر أن المسيح قال: «اهدموا هذا الهيكل وأنا أقيمه بعد ثلاث أيام» زعم أن مراده بالهيكل إنما هو جسده، وبرغم كل هذا فالذين حكموا بصحة هذا الإنجيل عدد لا يحصى من العلماء، وذهبوا إلى أنه ناقل أمين، وأن يوحانان هذا كان أعلم بالأسماء والأعلام من أصحاب الأناجيل الأخرى، وربما أوضح أمورا من أقوال المسيح وعلاقاته مع أحبار اليهود وأعماله في القدس قد فاتت أصحاب الأناجيل الثلاثة الأولى.
وبرغم أن في كلامه عن أيام المسيح في القدس بعض سقطات فهو في هذا الموضوع أعلى درجة من مرقص ومتى ولوقا. وذهب بعضهم إلى أن يسوع في إنجيل يوحنان هو يسوع الحقيقي التاريخي. وقال آخرون: إن أوثق الأناجيل هما إنجيل مرقص، وإنجيل يوحنا المذكور. وطعن بعضهم في يوحانان المذكور فقالوا: إنه كان جاهلا متكبرا متعصبا منتقما، وكانت فيه ميول شاذة، وكان تلميذا ليوحنا المعمدان وأن والده كان صياد سمك فترك والده واتبع المسيح، وقال عن نفسه: إنه التلميذ الذي كان يسوع يحبه، وبعد موت المسيح صار من رؤساء الفرقة المسيحية، فحبس واضطهد، وكانت وفاته في أفسوس سنة 98. وقد كان لإنجيله نجاح عظيم، لأن الناس كانوا يعلمون خلطته بالمسيح من البداية ومن قبل متى. وقد سأله بعض المؤمنين عن رأيه في أصحاب الأناجيل الثلاثة التي سبقته فقال: إن الذي أهملوه من جهة المعجزات التي يجب أن تروى كان شيئا قليلا. فرغب إليه المؤمنون بسد النقص الذي وقع في الأناجيل الأخرى ، فكان ذلك هو الحامل له على وضع إنجيله.
وكانت هذه الأناجيل الأربعة مكتوبة على ورق البردي، وما انتهى القرن الثاني حتى وجد منها ستون ألف نسخة! ويقال إنه يوجد اليوم 1077 مخطوطا من الأناجيل الأربعة، وأن أقدمها هو إنجيل تاريخه القرن الرابع عثر عليه «تشندورف» فى جبل سيناء في 4 فبراير 1859. انتهى.
ثم إن الدكتور بينيه سانغيليه تكلم عن قيمة الأناجيل التاريخية فنقل أكثر الأقوال المختلفة في هذا الموضوع، ورجح الرأي القائل بأن أصحابها كانوا قوما سذجا رووا الأمور على علاتها، وإنهم لو كانوا من أهل الصنعة والدهاء لم تقع في أناجيلهم الأغلاط والتناقضات التي وقعت. نعم إن سذاجتهم أوقعتهم في أخطاء كثيرة كما هو الشأن في كل ساذج يريد أن يروي قصة، لكن مما لا جدال فيه أنهم لم يضعوا أكاذيب من عندهم، وغاية ما هناك أن هوسهم كان يحملهم على نقل أشياء غير مطابقة للواقع.
فالقارئ يرى مما لخصناه هنا عن العهدين العتيق والجديد أن الاختلاف واقع في كل منهما؛ فالعهد العتيق قد أضاف إليه اليهود ما لا يليق بالكتب المنزلة بوجه من الوجوه كما تقدم الكلام عليه، فلم يكن التبديل منحصرا في تحريف الكلام، ولا في تأويله كما ذهب إلى ذلك ابن خلدون رحمه الله، هذا فضلا عما وقع من الاختلاف في الأقسام التي يجب أن تعد من التوراة، والأقسام التي يجب إخراجها منها.
Página desconocida