Historia de la Primera Guerra de los Balcanes: Entre el Imperio Otomano y la Liga Balcánica formada por Bulgaria, Serbia, Grecia y Montenegro
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Géneros
أما الجنود العثمانية فقد كان عذابها شديدا أيضا، بدليل أن المرضى كانوا يملئون المستشفيات، وزد على ألم البرد أن إدارة المئونة كانت مختلة في يانيه كما رأيناها في سائر الجهات، حتى أصبحت جنود الحامية جلدا على عظم. ومع ذاك كله فإن الحامية صبرت صبر الكرام وأبلت بلاء حسنا في الدفاع والصدام. قال مراسل التان في 25 ديسمبر: «إني رجعت من جهة أمين آغا لأن الأيام متشابهة، فاليونان يهجمون ويحتلون بعض المواقع المتقدمة فتضربهم البطاريات العثمانية فتدحرهم وتطردهم، ثم يجيء الليل فيهجم العثمانيون تحت خافيته فتصدهم القوة اليونانية أيضا، ثم يحدث في اليوم التالي ما وقع البارحة وهلم جرا. وطبيعي أن النتيجة إلحاق الخسارة العظيمة بالفريقين، غير أن اليونانيين يمكنهم أن يرسلوا النجدات إلى رجالهم بعكس العثمانيين فإن قوتهم تضعف شيئا فشيئا.»
أما الحصون العثمانية فإنها منيعة ومسلحة أفضل تسليح، ومدافعها تفوق المدافع اليونانية حتى الآن، ولقد رسخ في ذهني منذ الأيام الأولى أن يانيه لا تسقط إلا بعد مدة طويلة برغم التفاؤل الحسن الذي يبديه القائد اليوناني العام والقناصل والوطنيون، ولا يستطيع اليونان أن يأخذوا الموقع في وقت قريب إلا إذا أتتهم القوة من الجهة الشمالية، ولكن تموينها صعب جدا من تلك الجهة، وقد وصل منذ أسبوع 12000 جندي قادمين من أثينا وسلانيك.
وكان من أسباب عذاب اليونانيين أنهم لم يستطيعوا إرسال مدافع ضخمة كافية، فلم يكن عندهم منها إلا بطارية واحدة منصوبة في جهة أمين آغا، والمستفاد من رسالة مكاتب «الألوستراسيون» أن الأوحال والأمطار والمسالك الوعرة كانت تضطرهم إلى حملها على الأكتاف بعد تفكيكها كل قطعة على حدة.
فحسبنا ما تقدم للدلالة على المصاعب والأهوال التي كابدها العدوان من الطبيعة ومن الحرب، ولا سيما أن الحكومة اليونانية أبت أن توافق على الهدنة الأولى فبقيت تلك المتاعب متفاقمة حتى سقطت يانيه. (1) كيف سقطت يانيه؟
سافر ولي عهد اليونان من مقدونيا إلى جهة يانيه بعد تعيينه قائدا عاما لجميع القوات اليونانية في مقدونيا وأبيروس، فاستلم قيادة الجيش المحاصر لذاك الموقع وعين الجنرال سابوندزاكيس قائدا للميمنة، ووافق على الخطة الحربية التي وضعها هذا الجنرال قبل وصوله، إلا أنه أدخل عليها تعديلات يقتضي تنفيذها مدة من الزمن، وكان الثلج يتساقط، والبرد يشتد، والمئونة لا تصل إلا بصعوبة، والحيوانات تموت عشرات، حتى سدت أشلاء البغال والأبقار أكثر الطرق أو ما يسمونه طرقا.
ولما تم استعداد ولي العهد أصدر أمره بالصدام صباح يوم الثلاثاء 4 مارس، وكان من خطته أن اليوم الأول يخصص لإطلاق المدافع على القوات العثمانية، فقذفت البطاريات اليونانية في ذاك اليوم بنحو عشرة آلاف قنبلة.
وكان الجيش اليوناني مقسوما إلى ثلاثة أقسام، فلبث يحارب وهو في خنادقه ليستبقي الحامية العثمانية في مواقعها، واستمر إطلاق النار على هذا النحو سحابة ليل 5 مارس. ولما كان فجر اليوم التالي أبقى ولي عهد اليونان ميمنة جيشه وقلبه في مواقعهما لمشاغلة الحامية العثمانية، وأمر ميسرته بأن تفاجئ العثمانيين بعد أن عززها بجزء من القلب والميمنة، وبينما كانت الحامية العثمانية توجه كل أنظارها وأفكارها إلى ميمنة الجيش اليوناني وقلبه لاعتقادها أن الهجمة الكبرى ستكون من جهتهما، باغتتها الميسرة اليونانية فاستولت على موقع تشوكا، وغنمت فيه أربعة مدافع وأسرت 50 جنديا، ونحو الساعة العاشرة قبل الظهر أخذت سلسلة جبال مانولياسا وغنمت ستة مدافع وأسرت طابورا، ثم هب قلب الجيش اليوناني لتأييد ميسرته فأخذت الحامية العثمانية تنكص أمام تلك القوة الكبرى، وما حلت الساعة الثانية بعد الظهر حتى ناب الحامية ضعف كبير وأخذ رجالها يرجعون إلى مدينة يانيه والقنابل تهطل فوقهم. ولما جاء المساء كانت المواقع الحصينة في أيدي اليونانيين، فرأى قائد الحامية أن الدفاع أصبح عبثا بعد ما جرى، فأوفد رسولا إلى ولي عهد اليونان ومعه كتاب من قناصل الدول في يانيه قالوا فيه: «إن القائد العثماني العام طلب إليهم بعد ما حل بجيشه من الخسارة العظمى أن يتوسطوا لدى ولي عهد اليونان ليكف عن القتال»، وكانت المقابلة نحو الساعة الخامسة بعد منتصف الليل.
فأجاب ولي العهد وأركان حربه بأنهم يطلبون أولا تسليم الجيش العثماني بسلاحه، فقبل أسعد باشا هذا الطلب، وكان عدد الجنود العثمانية نحو 35 ألفا على رواية التان، وذكر أسعد باشا في حديث أن سبعة آلاف مريض وعليل كانوا بين أولئك الجنود، وأنه كان يتوقع هجوم اليونان من جهة الميسرة ولكن قوته كانت ضعيفة وذخيرته قليلة.
وما وصل الخبر إلى العاصمة اليونانية حتى سرى كتيار الكهرباء في جميع أنحاء المملكة وأرسل زعماء النواب أحر التهاني إلى ولي العهد. وإذا أراد القارئ أن يعرف مقام يانيه عند اليونان فحسبه أن يرجع إلى التاريخ فيعلم أنها كانت مهدا لذوي التجارة وأرباب العقول منهم، فهي التي أخرجت نخبة من أساتذتهم وصفوة من شعرائهم. كما أن البلاد المجاورة لها ولا سيما سولي أخرجت لهم جماعة من أكابر رجال الحرب فيهم، ولما عقد مؤتمر برلين أراد أن يعيد تلك الأراضي إلى المملكة اليونانية، ولكن البند المختص بإعادتها بقي من المهملات، وأضف إلى هذا كله أن لهم حكايات وخرافات قديمة تتعلق بيانيه وتجعل ذكرها مألوفا معروفا عند الشاب والأشيب. (2) عزاء بعد هناء
وبينما كان اليونان مسترسلين إلى الفرح والابتهاج، ناسين من حصدتهم الحرب بمنجلها الباتر من الآباء والأبناء إذا برصاصة اهتزت لها بلادهم وجاز صفيرها البر والبحر، فألبست أسرتهم المالكة وغيرها من ملوك أوروبا وأمرائها ثوب الحداد.
Página desconocida