Historia de la Primera Guerra de los Balcanes: Entre el Imperio Otomano y la Liga Balcánica formada por Bulgaria, Serbia, Grecia y Montenegro
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Géneros
وما كان اليوم التاسع والعشرون من شهر يونيو حتى هب البلغار إلى الهجوم الشديد من جهة اليونان بينما كانوا يهاجمون الصرب، على أنهم ما لبثوا أن تقهقروا أمام الجيش اليوناني الذي زحف بقيادة الملك قسطنطين كما تقهقروا أمام الصربيين للأسباب التي سنشرحها في الفصل التالي. وأول معركة كبيرة طاحنة حدثت بين الجيشين هي معركة قلقيش (أو كيلكيس) فإن مشاة اليونان حملوا حملات هائلة ومعهم جيش آخر من الحقد على البلغاريين، وكانت هجمتهم
2
على مسافة 800 متر تحت نيران البلغاريين الذين كانوا محصنين ممتنعين حتى زحزحوهم عن مواقعهم وأعملوا الحراب في ظهورهم، وقد بلغت خسارة اليونان في تلك المعركة على روايتهم الرسمية نحو عشرة آلاف رجل؛ أي نحو الخسارة التي أصابتهم في مقاتلة العثمانيين في جميع المعارك منذ 18 أكتوبر سنة 1912 إلى أن عقد مؤتمر لندن الثاني.
وبعد هذا النصر المبين صرف الملك قسطنطين همه إلى مطاردة البلغاريين حتى لا يبقي لهم وقتا طويلا لاستئناف معركة كبيرة أخرى، وحتى يتمكن من وصل جيشه بالجيش الصربي قبل دخول الأرض البلغارية الأصلية، ولم يكن أمامه إلا طريق واحد صالح وهو وادي ستروما من دمير حصار إلى جمعه، فأخذ يتقدم والبلغاريون يتقهقرون أمامه وينسفون الجسور بعد أن يجتازوها فتجددها فرق الهندسة اليونانية بعد المتاعب العظيمة.
ولما وصلت الجنود اليونانية إلى مضيق قرسنا تفاقمت عليها المصاعب واضطر المشاة إلى الصعود على قمم الجبال التي على جانبي المضيق ليضطروا البلغاريين إلى تركها. فأفلحوا بعد احتمال العناء الكبير من وعورة الطريق ونيران البلغار. وليس يهم القارئ أن نصف كل معركة ومناوشة، فحسبنا أن نقول له على وجه الجملة إن اليونانيين قاتلوا أعداءهم أكثر من عشرين دفعة في مدة زحفهم من سلانيك إلى جمعه بالا وهناك نشبت معركة عظيمة خسر فيها الفريقان خسارة كبيرة، وقرر الملحقون العسكريون أن أحد جناحي الجيش اليوناني أصيب فيها بالفشل وأن الهدنة التي طلبتها حينئذ رومانيا جاءته في وقتها، وقال الموسيو رينيه بيو بعد عقد الصلح في بوخارست: «يمكننا اليوم أن نذكر أمرا لم يكن في وسعنا أن نبوح به في وقته؛ وهو أن الملك قسطنطين لم يكن تحت إمرته إلا خمسة وثمانون ألف رجل من المشاة، وكانت مهمته صعبة محفوفة بالخطر؛ لأنه كان يريد أن يمنع عدوه من ضم أطرافه وجمع قواه وأن يضربه ويقهره قبل أن يستريح فاضطر للوصول إلى هذا الغرض أن يطلب من جنوده أكبر جهد ينهك القوى. وكان معظم فرقه بلا احتياطي يؤيده عند الضرورة، ولشدة تعب الجيش اليوناني عزم أركان حربه على الوقوف مدة من الزمن لتتمكن البطاريات من ضم أطرافها ويذوق المشاة راحة لم يكن بد منها ولا غنى عنها؛ فجاءتهم الهدنة بها. وأجمعت الروايات اليونانية نفسها على أن خسارة اليونان كلها بلغت أكثر من أربعين ألف رجل بين قتيل وجريح، وأن أقل من ربع تلك الخسارة الكبرى لحقت بالجيش اليوناني في الحرب الأولى وثلاثة الأرباع الباقية في محاربتهم للبلغاريين.»
وأجمع المراسلون الحربيون على أن اندفاع اليونان وتفانيهم في قتال البلغار كان من جملة الأسباب الكبرى في زيادة خسائرهم إلى ذاك الحد؛ فهم من قديم الزمان يكرهون البلغاري وكثيرون منهم يفضلون التركي عليه، ثم اشتد عندهم هذا الشعور بعد الفظائع التي ارتكبتها الجنود البلغارية أيام فشلها ونكوصها. وكان ولاة الأمور وفي مقدمتهم الملك قسطنطين يفرغون جهدا عظيما في إثارة خواطرهم وتوطيد قوتهم المعنوية، وهاك أنموذجا من خطب صاحب التاج اليوناني، وهو ما قاله قبل معركة قلقيش الكبرى:
لا يفوتني أنه منذ عهد الملك كودوروس إلى عهد الملك باليولوغ لم يمت من ملوك اليونان الذين تولوا قيادة الجيوش ملك واحد على سريره وتحت سقف قصره، واعلموا أن المعركة التي سنخوض معمعانها غدا لهي من أعظم المعارك شأنا وخطرا، فأنا أفكر والقلب حزين في أني لن أرى بعدها عددا منكم، وليس في وسعي أن أصافح كل فرد على حدة، فأكتفي بأن أقول أيها الضباط كونوا على الدوام في مقدمة جنودكم (وهنا التفت إلى ولي العهد وقال له) وأنت كن دائما في مقدمة فرقتك.
فأجابه كثير من الضباط هاتفين «إلى الملتقى في العالم الثاني.» وقد دل الإحصاء أخيرا على أن عدد القتلى من الضباط كان كبيرا.
وأكد لنا وجيه يوناني أن ضابطا من أنسبائه كتب إليه من ساحة الحرب أن الموسيو فنزيلوس رئيس الوزارة اليونانية اتفق مع ملك اليونان على توزيع كراسة جامعة لأهم ما ارتكبه البلغاريون في القرى اليونانية من هتك الأعراض وإحراق البيوت والفتك بالأطفال والأبرياء، فكان لهذا العمل تأثير ساحر في نفوس الجنود وغلت صدورهم غلي المرجل حقدا وسخطا على البلغاريين حتى إن عشرات منهم انتزعوا بأسنانهم خدود بعض الجنود البلغارية في إبان القتال.
أما خسارة البلغار في قتالهم للصرب واليونان معا فتربو على ستين ألف رجل. فإذا قدرنا أن خسارتهم في محاربة العثمانيين بلغت تسعين ألفا في جميع المعارك كان مجموع خسائرهم في الحربين مائة وخمسين ألف رجل لم يذهب منهم أحد إلى ساحة القتال إلا بعد أن شهد له طبيب حكومته بتمام الصحة.
Página desconocida