Historia de las invasiones árabes en Francia, Suiza, Italia y las islas del Mediterráneo
تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
Géneros
أول ترجمة لاتينية للقرآن، وبدأ يكتب الردود على دين الإسلام، وتبعه في ذلك مؤلفون كثيرون من النصارى.
على أننا لا نشك في أنه في أول دخول العرب إلى فرنسة كانت اللغة العربية معروفة فيها، وكان كثير من الإفرنج يحسنون التكلم بها، وذلك لأن العرب كانوا يأخذون أبناء البيوتات النبيلة رهائن على طاعة أهلهم لهم، ويرسلون هذه الرهائن إلى قلب مملكتهم، فكان لابد لهم هنالك من أن يتعلموا العربية، وكذلك كان بديهيا أن الأسرى والعبيد من المسيحيين يتعلمون العربية، فإذا عادوا إلى بلادهم كانوا من جملة الإفرنج الذين يعرفون هذه اللغة، وأضف إلى ذلك المسلمين المستعبدين الذين كانوا في أرض فرنسة فقد كانوا كلهم يتكلمون بالعربية، ولا تنس التجار وزوار بيت المقدس الذين برغم جميع تلك الحروب الهائلة لم ينقطعوا عن التجارة ولا عن الزيارة، وكانوا يختلفون إلى مصر والشام وغيرهما من بلاد الإسلام، ومن جملة هؤلاء الإنكليزي القديس غيلبود
Geillebaud
الذي ذهب إلى الشرق ووصل إلى الشام سنة 734 للمسيح، وقيل: إنه عند وصوله إلى دمشق قبض عليه على ظن أنه جاسوس، فلما علموا أنه قادم لزيارة بيت المقدس خلوا سبيله، فطاف في سورية وفلسطين بدون معارضة؛ ولكن لم يقع في أيدينا شيء من المعلومات عما دار من الأحاديث بين الخليفة في دمشق وبين القديس المذكور.
وكان المسيحيون في ذلك العصر مستسلمين للأقدار يعتقدون أن غزوات العرب لبلادهم إنما هي عقاب من الله تعالى للبشر على خطاياهم فكانوا راضين بما قدره الله عليهم لا يحاولون دفع ما نزل بهم ولم ينهضوا في أوربة لاستعمال الوسائل البشرية الكفيلة بدفع الأذى عنهم إلا في أيام الحروب الصليبية.
وكان المسلمون في غاراتهم يستعملون السبي فيربون الصبيان إلى أن يبلغوا رشدهم، ويجعلونهم جنودا، ويربون الصبيات إلى أن يبلغن رشدهن فيتخذوهن حلائل، وكانوا في أي مكان شنوا فيه الغارة وضعوا ذلك نصب أعينهم، تأمل في كيفية حلولهم بجزيرة أقريطش، فقد تقدم أن خمسة عشر ألفا من ربض قرطبة أجلوا عن الأندلس على أثر فتنة الربض المشهورة، فجاءوا إلى الإسكندرية، ومن هناك عزموا على النزول في أقريطش نظرا لحسن هوائها وجودة تربتها، ولما وصلوا إلى تلك الجزيرة أمرهم قائدهم بأن يبدأوا بالعمارة، وأحرق السفن التي جاءوا بها، فصاح رفاقه به قائلين له: كيف يمكننا بعد الآن أن نراسل نساءلنا وأولادنا؟ فأجابهم: إنني أعطيتكم وطنا جديدا وهذا الوطن هو الذي يكفل لكم إيجاد نساء تتزوجون بهن، وبعد ذلك عليكم أنتم أن تنسلوا الأولاد، ولما جاء المسلمون ودخلوا أرض فرنسة فاتحين لم يكن لهم مقصد سوى نشر دين الإسلام وإخضاع فرنسة وكل أوربة لأحكام القرآن، ولكن فيما بعد ذلك دخل في تلك الغزوات مقاصد أخرى، كحب النهب أو الأخذ بالثأر، ومن هذا القبيل نزول العرب في أواخر القرن التاسع في أرض بروفنس.
وقد ذكر المؤرخ ليو تبرند كيفية فتح العرب لصقلية فقال: إن أمير صقلية من قبل إمبراطور القسطنطينية كان قد خرج من طاعته، فأرسل يستنجد أمير العرب في القيروان، فشاور هذا أعوانه فيما يفعل، فأشاروا عليه بإصراخه، ولكن على شرط أن العسكر الإسلامي يأخذ ما يمكنه من الغنائم ويقفل بدون استقرار في تلك الجزيرة، وذلك لأنهم لمعرفتهم بشدة قرب صقلية من الأرض الكبيرة كانوا يعتقدون أن مقام أمة تخالف أهل تلك الديار في اللغة والعقيدة لا يمكن أن يكون هناك لا طويلا ولا وطيدا، وأنه لا مناص من أن يكر اليونان والإفرنج فيسترجعوا تلك الجزيرة ولو بعد حين، قيل: إن أحدهم سأل يوم عقد تلك الشورى بشأن غزو صقلية ما مقدار المسافة التي تفصل بين الجزيرة والأرض الكبيرة؟ فأجابوه بأن الإنسان يقدر أن يأتي ويرجع مرتين أو ثلاثا في النهار، فسأل: وكم المسافة بين صقلية وإفريقية؟ فقيل له: مسافة يوم وليلة. فقال: لو كنت طيرا ما رضيت أن أجعل مقامي بهذه الجزيرة والحال هي هذه من جهة المسافة. ذكر ذلك النويري. والحقيقة أن المسلمين لم يعولوا على البقاء في صقلية إلا بعد أن رأوا أمورها فوضى، وبعد أن وجدوا أمراء تلك البلاد يستعينون بهم بعضهم على بعض، لا تجمعهم جامعة قومية ولا تضمهم صارخة وطنية.
أما الآثار الحجرية التي تركها المسلمون في فرنسة على أثر غزواتهم فيها فهي قليلة جدا ففي أربونة مثلا حيث بقي العرب نحوا من أربعين سنة، لم نجد لهم بناء خاصا بهم، وغاية ما عملوا أنهم زادوا في تحكيم القلاع التي فيها حتى جعلوها في مناعتها لا تؤخذ، ولكن لم يجد المؤرخون هناك كتابات عربية ولا آثارا يتحققون كونها عربية. وقد قيل عن بناء في مدينة سردانية التي بجوار جبل لويس: إنه من عمل المسلمين، ولكن ذلك القول لم يثبت لأنه بناء لا يشابه أبنيتهم المعهودة، نعم يوجد في جنوبي فرنسة كثير من المسكوكات العربية وأكثرها ليس عليه ذكر الملوك الذين ضربت في أيامهم، ولا ينكر أنه في أواخر القرن التاسع للميلاد كان المسلمون قد قطعوا مراحل بعيدة في المعارف والفنون وأخذوا يتقدمون يوما فيوما في المدنية، وفي ذلك الوقت كان نزولهم في بلاد بروفنس ودوفني وسافواي وسويسرة، ولا نزاع في أن مسلمي إسبانية وصقلية بل مسلمي إفريقية نفسها كانوا في ذلك العصر أرقى من مسيحيي فرنسة والبلاد المجاورة لها التي كانت غائصة في فتن كقطع الليل المظلم ولسنا الآن في صدد المدنية الباهرة التي أثلها العرب في الأندلس فمن ذا الذي لا يسمع بعظمة جامع قرطبة الأعظم، ومن لا يعلم ما شاده العرب من الجسور والمعابر وشقوه من الأنهر والجداول لري الأراضي، وما بنوه من القصور المنيفة الشامخة، ولعمري لم ينحصر فضلهم في الصناعة والفن بل كانت لهم القدم الراسخة في العلوم العقلية والفلسفة وكانوا ترجموا إلى العربية كتب أرسطو وأبيقراط وجالينوس وديسقوريدوس وبطوليماووس وغيرهم، وكشفوا من العلم أسرارا جديدة أضافوها إلى ما تلقوه عن غيرهم. فكان تفوق العرب على المسيحيين في ذلك العصر حقيقة ثابتة لا مراء فيها وكان المسيحيون يفتقرون إليهم في العلم ويردون حياضهم فيه، وقد روى المؤرخون أن شانجة ملك ليون كان في سنة 960 جاء إلى قرطبة ملتمسا الاستشفاء، لدى أطباء العرب، من مرض كان قد أعياه شفاؤه، فوجد عند أطباء العرب الراحة التي كان ينشدها وبقي طول حياته يذكر الحفاوة التي استقبل بها والاعتناء الذي رآه في قرطبة بشأنه، وفي تلك الأيام كان راهب اسمه جربرت انتجع إسبانية، طلبا للعلوم الطبيعية والرياضية، فبلغ من العلم مبلغا خيل لعامة فرنسة إذ ذاك أنه ساحر.
15
أما العرب الذين جاءت عصائبهم ونزلت في أرض فرنسة وتدرجت إلى جبال الألب فلم يكونوا من النمط الأول؛ أي من الذين يريدون أن ينشروا ثقافة أو يؤثلوا مدنية، وإنما كانت غاراتهم كلها منبعثة عن طمع في النهب وغرام بالكسب. فالنهضة الحقيقية في أوربة لم تبدأ إلا منذ القرن الثاني عشر أي منذ زحف أهل الغرب لقتال أهل الشرق، ووجدت النصرانية والإسلام في الصراع وجها لوجه، فوقع الاحتكاك بين المسلمين والمسيحيين، وأفاق الفرنسيس والإنكليز والألمان من رقدتهم ونفضوا عنهم غبار الخمول، ووجدوا ضرورة المشاطرة في المدنية الإسلامية، وكان علم اللغة اليونانية قد درس، وصار العلم اليوناني غير معروف إلا عند العرب، فأخذ المسيحيون من فرنسة وجوارها يؤمون إسبانية لأجل ترجمة التآليف العربية المنقولة عن اليونان، وذلك إلى اللغة اللاتينية التي كانت يومئذ لغة الكتابة والعلم في أوربة، وقد بقيت هذه التراجم إلى القرن الخامس عشر هي عمدة الجامعات والمدارس في معرفة علوم يونان.
Página desconocida