في غير هذه المخالفات الى السلطان وترك له ان يعمل بما توحيه اليه المصلحة لحمل الناس على الجادة القويمة والطريق الواضح.
وقد كان للعرب قبل الإسلام نظام خاص في مقام القصاص ، وفي الغالب تتحمل قبيلة الجاني مسؤولية الجناية إذا كان المجني عليه شريفا في قومه وعشيرته ، فينتج منها قتل العشرات والمئات ونهب الأموال وإباحة الأعراض. ولما جاء الإسلام أقر عقوبة القصاص ولكنه جعل المسؤولية فيها على الجاني وحده ولم يأخذ البريء بجرم السقيم ، وجعل لولي الدم سلطانا في ذلك على ان يستعمل حقه ان شاء مع غريمه. قال سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) (1) وقيل في سبب نزولها ان حيين من العرب لأحدهما قوة على الآخر أقسموا ان يقتلوا الحر بالعبد والرجل بالمرأة والرجلين بالرجل الواحد ، فنزلت هذه الآية لتحد من كبريائهم وعنصريتهم ، وفي نفس الوقت تحفظ لأولياء المقتول حق المطالبة بدمه ، فالحر بمثله والعبد بمثله والأنثى بمثلها ، والتجاوز عن هذا المبدأ عدوان لا يقره الإسلام.
أما في قتل الخطأ وشبهه فالذي فرضه الإسلام هو الدية ، ولا قصاص فيه. وولي المقتول في قتل العمد إذا عفا عن الدم واختار الدية ، فعلى القاتل ان يدفعها اليه. وقد أقر الإسلام نظام الديات عند العرب فجعل على من قتل مؤمنا خطأ عتق عبد مؤمن ، ودية يسلمها إلى ورثة المقتول. أما إذا كان المقتول مؤمنا وأولياؤه على غير الإسلام ، فليس على القاتل إلا العتق ، لأن أولياءه لا يرثون منه شيئا. وقد نصت الاية الكريمة على ذلك. قال سبحانه : ( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير
Página 108