Historia de los filósofos del Islam: un estudio exhaustivo sobre sus vidas, obras y un análisis crítico de sus opiniones filosóficas
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Géneros
أما عن نظرية الخير والشر في الحكمة الإسرائيلية، فقد قال فلاسفة اليهود: «إن الله سبحانه هو خير محض، ولا يصدر عنه إلا الخير.» وأثبتوا ذلك أو حاولوا إثباته بما ورد في الكتاب المقدس. أما الشر فقالوا: «إنه من صنع البشر، وإنه ثمرة لتغلب المادة على العقل أو انتصار مبدأ المادة على مبدأ العقل.» وقد نسبوا الشر للإنسان خشية أن يؤدي بهم الكلام فيه إلى الخروج، وقد أدت بهم نسبة صدور الشر إلى الإنسان إلى القول بأنه حر في إرادته وتصرفاته، ويجب عليه أن يجعل أعماله منطبقة على مبدأ الخير الأسمى؛ لئلا يقهره المبدأ المادي فيصير أسيرا للشر، وهذا هو مبدأ حرية الإرادة المعروف لعهدنا هذا باسم
Libre Arbitre
أو مبدأ الخيار في الحياة، باعتبار الإنسان مخيرا لا مسيرا أن مبدأ الخيار في الحياة لم يظهر في الفلسفة الحديثة إلا بعد تطاحن أجيال في العقائد والأفكار، ولكن اليهود لم يكلفوا أنفسهم مشقة البحث، بل استندوا إلى نصوص من الكتاب المقدس (التوراة)، حيث جاء بقول صريح على لسان الله في مخاطبة الإنسان:
انظر! قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير، والموت والشر.
ومعظم هذه الحال راجع إلى مزاج النفس «السامية»، التي صدق (رينان) كثيرا في وصفها في عرض كلامه في كتابه الممتع في «تاريخ اللغات السامية».
والمشاهد عند حكماء اليهود، الذين لا يمكن أن نطلق عليهم اسم الفلاسفة، أنهم كانوا إذا اقتربوا من النظريات الفلسفية المحضة يرجعونها إلى دائرة الدين، ويجعلون الحكم فيها وعليها فوق مدارك العقل البشري.
ونجد هذه الحال ممثلة أجلى تمثيل في سفر أيوب، من أسفار «العهد القديم»؛ إذ اجتمع الحكماء، وأخذوا يبحثون في مسألة العناية الإلهية والقضاء والقدر، فظهر الله في عاصفة لأيوب وأظهر له قصر المدارك البشرية عن الوقوف على أسرار الطبيعة، ورفع الستار عن وجه الحقيقة، واكتناه حكمة القضاء، ووجوب خضوع الإنسان بعد إقراره بعجزه لله والتسليم بإرادته؛ مما يؤدي بتوجيه القضايا الفلسفية نحو جهات الاعتقاد.
بيد أن امتزاج اليهود بأهل بابل والفرس والكلدان ساعد على تأثر الحكمة الإسرائيلية بأفكار وعقائد هؤلاء الغزاة الذين هم من جنس (آري).
فإن الفرس يقولون بوحدانية الله، ويبغضون الوثنية كما ورد في كتابهم (الزندافستا). على أن الفرس، وإن كانوا من جنس آري، فإن آسيويتهم (نسبتهم إلى آسيا) تغلبت على آريتهم، فلم يبلغوا من الفلسفة شأوا يستفيض منه نور على عقول حكماء بني إسرائيل، فبقيت كتب هؤلاء بعد تقربهم وامتزاجهم بالفرس خالية من المباحث النظرية وما وراء الطبيعة خلوها من ذلك من قبل.
وما زال اليهود على ذلك الجمود الفلسفي والاكتفاء بالبقاء في دائرة الدين إلى أن تغلب اليونان على سوريا، وانتشرت فيها فلسفتهم وآدابهم، فأدركت اليهود الغيرة من علو كعب فاتحي بلادهم في المباحث التي لم يطرقوها، على أنهم لم يجرءوا على البحث الحر الصريح القوي، بل عادوا إلى الكتب المقدسة يشرحونها، معتمدين في ذلك على بعض مبادئ الأفلاطونية المستحدثة التي كانت مزهرة في الإسكندرية، فلم يتعدوا أفكار فيثاغورس وأفلاطون.
Página desconocida