Historia de los filósofos del Islam: un estudio exhaustivo sobre sus vidas, obras y un análisis crítico de sus opiniones filosóficas
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Géneros
فعندما تحصل هذه المعقولات للإنسان، يحدث له بالطبع تأمل وروية وذكر وتشوق إلى الاستنباط، ونزوع إلى بعض ما عقله وتشوق إليه، وإلى بعض ما يستنبطه أو كراهته، والنزوع إلى ما أدركه بالجملة هو الإرادة. فإن كان ذلك عن إحساس أو تخيل سمي بالاسم العام وهو الإرادة، وإن كان ذلك عن روية أو عن نطق في الجملة سمي الاختيار، وهذا يوجد في الإنسان خاصة. وأما النزوع عن إحساس أو تخيل، فهو أيضا في سائر الحيوان، وحصول المعقولات الأولى للإنسان هو استكماله الأول وهذه المعقولات إنما جعلت له ليستعملها في أن يصير إلى استكماله الأخير.
وذلك هو السعادة، وهي أن تصير نفس الإنسان من الكمال في الوجود إلى حيث لا تحتاج في قوامها إلى مادة، وذلك أن تصير في جملة الأشياء البريئة عن الأجسام، وفي جملة الجواهر المفارقة للمواد، وأن تبقى على تلك الحال دائما أبدا، إلا أن رتبتها تكون دون رتبة العقل الفعال.
وإنما تبلغ ذلك بأفعال ما إرادية: بعضها أفعال فكرية، وبعضها أفعال بدنية، وليست بأي أفعال اتفقت، بل بأفعال ما محدودة مقدرة تحصل عن هيئات ما، وملكات ما مقدرة محدودة.
وذلك أن من الأفعال الإرادية ما يعوق عن السعادة، والسعادة هي الخير المطلوب لذاته، وليست تطلب أصلا ولا في وقت من الأوقات لينال بها شيء آخر، وليس وراءها شيء آخر يمكن أن يناله الإنسان أعظم منها.
والأفعال الإرادية التي تنفع في بلوغ السعادة هي الأفعال الجميلة، والهيئات والملكات التي تصدر عنها هذه الأفعال هي الفضائل. وهذه هي خيرات لا لأجل ذواتها بل إنما هي خيرات لأجل السعادة.
والأفعال التي تعوق عن السعادة هي الشرور، وهي الأفعال القبيحة، والهيئات والملكات التي عنها تكون هذه الأفعال هي النقائص والرذائل والخسائس.
فالقوة الغاذية التي في الإنسان إنما جعلت لتخدم البدن، وجعلت الحاسة والمتخيلة لتخدما البدن ولتخدما القوة الناطقة، وخدمة هذه الثلاثة للبدن راجعة إلى خدمة القوة الناطقة، إذ كان قوام الناطقة أولا بالبدن، والناطقة منها عملية ومنها نظرية: والعملية جعلت لتخدم النظرية والنظرية لا تخدم شيئا آخر بل ليتوصل بها إلى السعادة؛ وهذه كلها مقرونة بالقوة النزوعية، والنزوعية تخدم الحاسة وتخدم المتخيلة وتخدم الناطقة، والقوى الخادمة المدركة ليس يمكنها أن توفي الخدمة والعمل إلا بالقوة النزوعية.
فإن الإحساس والتخيل والروية ليست كافية في أن تفعل دون أن يقترن إلى ذلك تشوق إلى ما أحس أو تخيل أو تروى فيه وعلم؛ لأن الإرادة هي أن تنزع بالقوة النزوعية إلى ما أدركت، فإذا علمت بالقوة النظرية، السعادة، ونصبت غايتها وتشوقت بالنزوعية واستنبطت بالقوة المروية ما ينبغي أن تعمل حتى تقبل بمعاونة المتخيلة، والحواس على ذلك، ثم فعلت بآلات القوة النزوعية تلك الأفعال؛ كانت أفعال الإنسان كلها خيرات وجميلة، فإذا لم تعلم السعادة أو علمت ولم تنصب غايتها بتشوق، بل نصبت الغاية شيئا آخر سواها وتشوقت بالنزوعية واستنبطت بالقوة المروية ما ينبغي أن تعمل حتى تنال بمعاونة الحواس والمتخيلة، ثم فعلت تلك الأفعال بآلات القوة النزوعية كانت أفعال ذلك الإنسان كلها غير جميلة. (19-11) القول في الوحي ورؤية الملك
وذلك أن القوة المتخيلة إذا كانت في إنسان ما قوية كاملة، وكانت المحسوسات الواردة عليها من خارج لا تستولي عليها استيلاء يستغرقها بأسرها، ولا أخدمتها للقوة الناطقة، بل كان فيها مع اشتغالها بهذين فضل كثير تفعل به أيضا أفعالها التي تخصها، وكانت حالها عند اشتغالها بهذين في وقت اليقظة مثل حالها عند تحللها منها في وقت النوم.
وكثير من هذه التي يعطيها العقل الفعال، فتتخيلها القوة المتخيلة بما تحاكيها من المحسوسات المرئية، فإن تلك المتخيلة تعود فترتسم في القوة الحاسة، فإذا حصلت رسومها في الحاسة المشتركة، انفعلت عن تلك الرسوم القوة الباصرة، فارتسمت فيها تلك، فيحصل عما في القوة الباصرة منها رسوم تلك في الهواء المضيء المواصل للبصر المنحاز بشعاع البصر، فإذا حصلت تلك الرسوم في الهواء عاد ما في الهواء فيرتسم من رأس في القوة الباصرة التي في العين، وينعكس ذلك إلى الحاس المشترك وإلى القوة المتخيلة، ولأن هذه كلها متصلة بعضها ببعض فيصير ما أعطاه العقل الفعال من ذلك مرئيا لهذا الإنسان، فإذا اتفقت المحاكيات التي حاكت بها القوة المتخيلة تلك الأشياء مع محسوسات في نهاية الجمال والكمال قال الذي يرى ذلك إن لله عظمة جليلة عجيبة، ورأى أشياء عجيبة لا يمكن وجود شيء منها في سائر الموجودات أصلا، ولا يمتنع أن يكون الإنسان إذا بلغت قوته المتخيلة نهاية الكمال، فيقبل في يقظته عن العقل الفعال الجزئيات الحاضرة والمستقبلة، أو محاكياتها من المحسوسات ويقبل محاكيات المعقولات المفارقة وسائر الموجودات الشريفة ويراها. فيكون له بما قبله من المعقولات نبوة بالأشياء الإلهية، فهذا هو أكمل المراتب التي تنتهي إليها القوة المتخيلة، وأكمل المراتب التي يبلغها الإنسان بقوته المتخيلة.
Página desconocida