Historia de los filósofos del Islam: un estudio exhaustivo sobre sus vidas, obras y un análisis crítico de sus opiniones filosóficas
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Géneros
فأما قولهم إن البراهين والأدلة العقلية محصلة لهذا النوع من الإدراك والابتهاج عنه فباطل كما رأيته، إذ البراهين والأدلة من جملة المدارك الجسمانية؛ لأنها بالقوى الدماغية من الخيال والفكر والذكر، ونحن أول شيء نعنى به في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها؛ لأنها منازعة له قادحة فيه.
وتجد الماهر منهم عاكفا على كتاب «الشفاء والإشارات والنجاء» وتلاخيص ابن رشد للفص من تأليف أرسطو، وغيره يبعثر أوراقها ويتوثق من براهينها ويلتمس هذا القسط من السعادة فيها، ولا يعلم أنه يستكثر بذلك من الموانع عنها، ومستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو والفارابي وابن سينا «أن من حصل له إدراك العقل الفعال واتصل به في حياته، فقد حصل حظه من هذه السعادة». والعقل الفعال عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشف عنها الحس من رتب الروحانيات، ويحملون الاتصال بالعقل الفعال على الإدراك العلمي، وقد رأيت فساده (؟!)
وإنما يعني أرسطو وأصحابه بذلك الاتصال والإدراك، إدراك النفس الذي لها من ذاتها وبغير واسطة، وهو لا يحصل إلا بكشف حجاب الحس، وأما قولهم إن البهجة الناشئة عن هذا الإدراك هي عين السعادة الموعود بها فباطل أيضا؛ لأنا إنما تبين لنا بما قرروه أن وراء الحس مدركا آخر للنفس من غير واسطة، وأنها تبتهج بإدراكها ذلك ابتهاجا شديدا، وذلك لا يعين لنا أنه عين السعادة الأخروية ولا بد، بل هي من جملة الملاذ التي لتلك السعادة.
وأما قولهم إن الإنسان يجد السعادة في إدراك هذه الموجودات على ما هي عليه؛ فقول باطل مبني على ما كنا قدمناه في أصل التوحيد من الأوهام والأغلاط.
وأما قولهم إن الإنسان مستقل بتهذيب نفسه وإصلاحها بملابسة المحمود من الخلق ومجانبة المذموم؛ فأمر مبني على أن ابتهاج النفس بإدراكها الذي لها من ذاتها هو عين السعادة الموعود بها، وقد بينا أن أثر السعادة والشقاوة من وراء الإدراكات الجسمانية والروحانية، فهذا التهذيب الذي توصلوا إلى معرفته إنما نفعه في البهجة الناشئة عن الإدراك الروحاني فقط، وأما ما وراء ذلك من السعادة التي وعدنا بها فأمر لا يحيط به مدارك المدركين، وقد تنبه لذلك ابن سينا فقال في كتاب (المبدأ والمعاد): «إن المعاد الروحاني وأحواله هو مما يتوصل إليه بالبراهين العقلية والمقاييس؛ لأنه على نسبة طبيعية محفوظة ووتيرة واحدة، فلنا في البراهين عليه سعة، وأما المعاد الجسماني وأحواله فلا يمكن إدراكه بالبرهان؛ لأنه ليس على نسبة واحدة، وقد بسطته لنا الشريعة الحقة المحمدية، فلينظر فيها ولنرجع في أحوالها إليها. ا.ه. كلام ابن سينا.
فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشرائع، إلا أنه وإن كان غير واف بمقصودهم فإن قوانينه أصح ما علمناه من قوانين الأنظار. هذه هي ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت، فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطبها. ا.ه.
الفصل التاسع
إخوان الصفاء
كان للفلسفة في العصر العباسي شأن عظيم، فاشتغل بها أكثر الذين عنوا بعلوم القدماء، لا سيما الأطباء منهم، وكان الفلاسفة في هذا العصر متهمين بالإلحاد والتعطيل، وكان الانتساب إلى الفلسفة مرادفا للانتساب إلى الكفر، وشاعت النقمة على الخليفة المأمون، لأنه كان السبب في نقل الفلسفة إلى اللغة العربية، حتى قال فيه ابن تيمية: «ما أظن الله يغفل عن المأمون، ولا بد أن يعاقبه على ما أدخله على هذه الأمة!» (1) أشهر أفراد جمعية إخوان الصفا
فاضطر أصحاب الفلسفة إلى التستر، فألفوا الجمعيات السرية لهذا الغرض وأشهرها جمعية إخوان الصفا، تألفت في بغداد في أواسط القرن الرابع للهجرة، وقد ذكروا من أعضائها خمسة هم: (1)
Página desconocida