فلما أصبحوا يوم الجمعة ارتجت الأرض بالضجاج، وارتجت السماء بالعجاج، وقد لقحت الحرب العوان بالمهندة الذكور، والمسومة الفحول، والكماة الحماة يحمون حمي الحمام ويحومون حول الدحول. ووقعت الطوالع في الطوالع ، وقرعت القواطع بالقواطع. وغنت الظبى ورقصت المران، ومال القنا وجالت الفرسان، ودارت الكؤوس وطارت الرؤوس. وما فتئت الفتيان تجور2وتجول، والخرصان تصوب وتصول. إلى أن دنا وقت الزوال، ودان لمقت الدين مقت النزال، وصدحت أعواد المنابر بالخطباء، وصدقت نيات أهل الجمعة للمجاهدين في إخلاص الدعاء، فنزل ألب أرسلان عن فرسه وشد للحزم حزامه، وأحكم سرجه ولجامه، ثم ركب جواده، وثبت فؤاده، وقوى قلبه، وسوى قلبه، وفرق أصحابه أربع فرق كل فرقة منهم في كمين، وراح وله من الروح الأمين مجير أمين.
ولما علم أن الكمين مكين، وأن الضمير شاهد بما يشهده من النصر ضمين، تلقى بوجه الحر حر الحرب، واستحلى طعم الطعن وضرب الضرب. وحمل متملك الروم بجمعه، وأخذ ببصر الدهر وسمعه، وأقبل كالسيل يطلب القرار، والليل يسلب النهار. وثبت لهم خيل الإسلام ثم وثبت، وجالت وما وجلت، واستجرت الروم إلى أن صار الكمين من ورائها، ووقفت المنون بإزائها. ثم خرج من خلفها وذوو الأقدام من قدامها، ووقعت نار البيض في حلفاء هامها، فآذنت بانهزامها وانكسرت كسرة لا تقبل جبرا، فطائفة لم تثبت للقتال ولم تصبر، وطائفة ثبتت فقتلت صبرا، فما نجت من أولئك الألوف آحاد، وما سلمت من أعداء الإسلام أعداد. وملك الملك وقيد وقيد وقيذا1، وأسر ولم يجد له معينا ولا معيدا. وركب المسلمون أكتافهم، وقتل الآحاد آلافهم وطهرت الأرض من خبثهم، وفرشت بجثثهم. وصارت الوهاد بأشلاء القتلى أكماء والمروت 2من قصد القنا أجما.
قال: وكانت مع الروم ثلاثة آلاف عجل تنقل الأحمال، وتحمل الأثقال، ومن المنجنيقات التي تحملها منجنيق هو أعظمها وأثقلها، له ثمانية أسهم، ويمد فيها ألف ومائتا رجل، ويحمله مائة عجل. يرمي حجرا وزنه بالرطل الكبير الخلاطي قنطار، وكأنه حبل له في الجو مطار.
قال: وشملهم بأسرهم القتل والأسر. وبقيت أموالهم منبوذة بالعراء لا ترام، ومعروضة لا تسام. وسقطت قيم الدواب والكراع، والسلاح والمتاع. حتى بيعت بسدس دينار اثنتا عشرة خوذة، وبدينار ثلاث دراع 3.
Página 209