Historia de las Ciencias del Lenguaje Árabe
تاريخ علوم اللغة العربية
Géneros
ومثل هذا جلس وقعد، يظن أنهما مترادفان مع أن اللفظة الأولى لا تطلق على الهيئة المخصوصة إلا إذا كانت عقب الاضطجاع أو الاستلقاء ونحوهما، والثانية إنما تطلق على تلك الهيئة إذا كانت عقب الوقوف ونحوه، فيقال: كان مضطجعا فجلس وكان واقفا فقعد، فالجلوس يكون بعد حالة هي دونه والقعود بعد حالة هي فوقه، وأصل مادة «ج ل س» تدل على الارتفاع ومنه قيل للذي ينزل نجدا «جالس»، ومادة «ق ع د» تدل على الانخفاض ومنه قاعدة البناء لأساسه. (4-6) الاشتراك
من الألفاظ ما هو موضوع بإزاء معنى واحد مثل «بغداد» لهذه المدينة ومنها ما يدل على أكثر من معنى، وهذا إما أن يكون في الأصل موضوعا لمعنى واحد ثم استعمل في غيره لعلاقة بين المعنيين مع قرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي، كلفظ الوطيس فإنه موضوع في الأصل للتنور ويطلق على شدة بأس الحرب لما بينهما من المناسبة الظاهرة فيقال حمي الوطيس أو حمي وطيس الحرب، وهو في المعنى الأول حقيقة وفي الثاني مجاز. وقد يشتهر اللفظ في معناه المجازي بحيث يتبادر إلى الذهن بمجرد إطلاقه مجردا عن القرائن، فإن كان الاشتهار عند أهل الشرع سمي حقيقة شرعية أو منقولا شرعيا، مثل: الصلاة والزكاة والوضوء والتيمم. وإن كان الاشتهار عند أهل العلوم سمي حقيقة اصطلاحية أو منقولا اصطلاحيا كالضرب والطرح والقائمة والحادة عند الرياضيين، والتمييز والمبتدأ والخبر والضمة والفتحة والكسرة والسكون عند علماء العربية، وإن كان الاشتهار في عرف العامة سمي حقيقة عرفية أو منقولا عرفيا، كالحيوان للبهيمة خاصة مع أنه في الأصل أعم من البهائم وغيرها. وإما أن يكون اللفظ في الأصل موضوعا لكل واحد من تلك المعاني بوضع مستقل فهو المشترك؛ فالمشترك إذن هو اللفظ الموضوع لمعنيين فأكثر بأوضاع متعددة، كلفظ الخال فإنه موضوع لأخ الأم وللشامة وللسحاب. وأمثلة المشترك كثيرة جدا، فقد ذكروا لبعض الألفاظ معنيين مثل «العم» لأخ الأب وللجمع الكثير، وذكروا لبعضها ثلاثة معان مثل «النوى» لمعناه المعروف وللنية وللبعد. ولبعضها أربعة معان مثل «الروبة» - الروبة من غير همز - لخميرة اللبن وجمام ماء الفحل وما يلزم به المرء من الأعمال وقطعة من الليل. وذكروا لبعض الألفاظ خمسة معان إلى العشرة بل إلى العشرات مثل «الخال» و«العين»، حتى إن كثيرا من الشعراء نظموا القصائد الخاليات والعينيات بأن جعلوا قوافيها لفظ الخال أو العين من أول القصيدة إلى آخرها.
وأنكر بعضهم ورود المشترك في اللغة قائلا: إن اللغة إنما وضعت للإبانة عن المعاني، فلو جاز وضع لفظ واحد للدلالة على معنيين مختلفين فأكثر لما كان ذلك إبانة، بل تعمية وتغطية.
ولا شك في ورود المشترك، وأما ما ذكره المعترض فلا يخرج عن كونه عيبا من عيوب الاشتراك وهنة من هنواته، ولكن لا يلزم من كون الشيء معيبا أن يكون مفقودا، فلو هب إعصار فأهلك الزرع والضرع فهل يجمل بنا أن ننكر وجود الإعصار لأنه مضر في ذاته؟! هذا ما لا يقوله عاقل. على أن وقوع المشترك يكاد يكون طبيعيا في اللغة، وذلك لأن الألفاظ مركبة من الحروف وهي محدودة والمعاني كثيرة ولا تزال تتجدد ولا تتناهى، فالاقتصاد في استعمال الألفاظ يقضي بجعل اللفظ موضوعا بإزاء أكثر من معنى والتمييز يكون بالقرائن الحالية أو المقالية، فمن قال مثلا: «في خد فلان خال» لا يشتبه بأنه الشامة، وإذا أشار إلى رجل قائلا: «هذا خالي» فلا شك بأنه أخو أمه.
وأسباب الاشتراك كثيرة، منها: اختلاف الوضع باختلاف الواضعين، كأن يضع بعض الناس لفظا بإزاء معنى ثم يضعه الآخرون بإزاء معنى آخر ويشتهر ذلك اللفظ بذينك المعنيين عند كلا القبيلين، ثم بتطاول الأزمان ينسى اختلاف الواضعين. ومنها كثرة استعمال المجاز حتى يشتهر ويصبح كأنه حقيقة في أحدهما ومجازا في الآخر مثل «العين» لربيئة القوم، فإنه في الأصل مجاز من إطلاق الجزء وإرادة الكل ولكنه اشتهر في الاستعمال حتى أصبح اللغويون يعدونه في جملة معاني العين المشتركة. وعلى ذلك كثير من الألفاظ التي تعد اليوم في زمرة المشترك وهي في الأصل حقيقة ومجاز، وهذا هو السر في توهم بعض الناس لهذا العهد بأن عرب الجاهلية تقلل من استعمال المجاز في شعرها ونثرها، والواقع أن أولئك العرب كغيرهم كانوا يكثرون من استعمال المجاز ولكنه لما اشتهرت تلك المعاني المجازية وتطاول عليها العمر أصبحت تتراءى لنا اليوم كأنها حقائق، فإن أعوزتك الأمثلة الكثيرة في هذا الشأن فارجع إلى معاجم اللغة ودواوين الأدب تجد الشيء الكثير من طلبتك، وعليك بأساس البلاغة للزمخشري فإنه أعذب مورد في هذا الباب. (4-7) الأضداد
قد يدل اللفظ المشترك على معنيين فأكثر يمكن اجتماعهما أو اجتماعهما في شيء واحد، وقد لا يمكن هذا الاجتماع فيدل اللفظ الواحد على الشيء وعلى ضده ك «الجون» للأسود والأبيض، ويطلق عليه أهل اللغة اسم الضد. ويقال فيه ما يقال في المشترك من الورود وعدمه، وأسباب ذلك لأنه فرع من فروعه لا يختلف عنه إلا من جهة أنه يدل على الشيء وضده فقط، وأمثلته كثيرة وقد أفرده جماعة بالتأليف منهم: المبرد في كتاب «ما اتفق لفظه واختلف معناه»، ومنهم التوزي، ومنهم أبو البركات ابن الأنباري، وابن الدهان، والصغاني، ومنهم أبو بكر بن الأنباري وكتابه مطبوع متداول، وقد ذكر في صدره السر في ورود أسماء الأضداد في اللغة فارجع إليه إن شئت. (4-8) المجاز
لا يختلف اثنان بأن المجاز من أهم عوامل التوسع في مناحي الاستعمال اللغوي، فإذا اشتريت فرسا وقلت اشتريت بحرا مثلا أي أنه ينصب في الجري انصباب ماء البحر كأنك تكون قد زدت في أسمائه لفظا، كما أنك زدت في مدلول لفظة «بحر» معنى جديدا وهو الفرس القوي السريع الجري، ومثل هذا إطلاق الرحمة على الجنة في قوله تعالى:
ففي رحمة الله هم فيها خالدون ، فإنك قد زدت في أسماء المكان لفظا كما أنك زدت في مدلول الرحمة معنى جديدا.
وقد علمنا في باب الترادف أن كثيرا من المجازات تصبح بسبب كثرة الاستعمال حقائق، وإذا أنت تأملت المستعمل من الكلام تجد للمجاز فيه حظا ليس بالقليل حتى ذهب أبو الفتح بن جني ومن تبعه إلى أن أكثر اللغة من هذا القبيل، وقد عقد لذلك بابا في كتاب الخصائص أورد فيه الكثير من الأمثلة ودعم مدعاه بالمعقول من الأدلة.
ويعتقد أبو الفتح أن المجاز إنما يقع ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة وهي: الاتساع والتوكيد والتشبيه، فاستعمال البحر في الفرس مثلا فيه اتساع كما ذكرنا، وفيه تشبيه لأن جريه يجري في الكثرة مجرى ماء البحر، وفيه توكيد لأنه شبه العرض وهو الجري بالجوهر وهو البحر والجوهر أثبت في النفوس من العرض. والمجاز زيادة على كونه عاملا من عوامل اتساع اللغة هو حلية من أفخر حلاها، تزينت به بعد أن ضرب العرب في النهضة الاجتماعية بسهم.
Página desconocida