Investigaciones en la historia de la ciencia en los árabes
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Géneros
لكن «القانون المسعودي في الهيئة والنجوم» هو أهم أعمال البيروني قاطبة، أخرجه عام 421ه وأسماه نسبة إلى السلطان مسعود الغزنوي الذي حاول أن يكافئه بحمل فيل من الفضة - كما ذكرنا - فرفض. يدور موضوعه حول هيئة السماء وشكل الأرض ومكانها من الكون، وحجمها بالنسبة إليه، وأنواع حركات الأجرام السماوية.
يقع هذا الكتاب في ثلاثة مجلدات تتكون من ثلاثة وأربعين بابا في إحدى عشرة مقالة، تعالج - باستفاضة - مختلف النظريات الفلكية والرياضية المطروحة في ذلك الوقت، وتنقدها وتنقحها وتضيف إليها، ولكن نظرا لأسلوب البيروني الموسوعي الشامل نجد الكتاب يتطرق إلى كل الموضوعات التي تمس الفلك من قريب مثل حساب المثلثات وتعيين أطوال البلاد وعرضها، أو من بعيد مثل المناسبات الدينية عند مختلف الشعوب والديانات. فكان هذا الكتاب الرائد شاهدا إضافيا على سعة إلمام البيروني بمباحث الحضارات والأديان المقارنة.
لقد احتوى هذا الكتاب على إنجازات علمية قيمة ولفتات ثاقبة منها: التفاته إلى فرض الجاذبية، موضحا أنه لم يشعر بقوة هذا الجذب إنسان. يقول البيروني: «ثم إن الأقاويل في سبب هذا الاضطرار كثيرة، منها جذب السماء الأرض من كل النواحي بالسواء، وذلك يبطل بالجزء، وفيها المنفصل عنها، فإن ما يلحقه من الجذب من جهة الأرض أفتر، ويجب أن تستلبه السماء إلى نفسها من غير تلك الجهة، حتى يطير إليها.»
91
وفي مقالة «الميزان» نجد تحقيقاته التي تتعلق بالجاذبية النوعية.
عاشرا: مراجعات ختامية
إلى كل هذا الحد شق البيروني أجواز العلم بجناحي المنهجية المكين، ولكن مهما علت تحليقاته فلن يستطيع الانفصال البائن عن كل متواضعات عصره المرفوضة الآن، أو التي تبدو لنا محض خرافة. منها مثلا: انشغال البيروني بعلم التنجيم؛ أي الاستدلال على وقائع الحياة وأحداثها والتنبؤ بها (قراءة الطالع) بناء على حركات النجوم، ولا يزال هذا ماثلا في جرائدنا اليومية وحياتنا المعاصرة!
فقد تكسب البيروني عيشه من عمله كمنجم، عرف بأنه إمام وقته في علم النجوم، فضلا عن مؤلفاته في هذا، وأهمها: «التفهيم لأوائل صناعة التنجيم» الذي بلغ اعتزازه به أن كتبه باللغتين العربية والفارسية، وأيضا «جوامع الموجود لخواطر الهنود في حساب التنجيم» والمقالة الأخيرة من «القانون المسعودي» ولعل هذه المؤلفات هي التي شفعت له عند السلطان محمود الغزنوي لاحتياج الحكام القدامى دائما للمنجمين ليستهدوا بنبؤاتهم في اتخاذ القرارات .
وأي إنكار لهذا إهدار لتاريخية الظاهرة العلمية، وللتعامل الموضوعي معها، فقد فرض التنجيم نفسه على العقل البشري ردحا طويلا من الزمن بسبب من سيادة النظرة الحيوية للطبيعة؛ أي اعتبارها كائنا حيا، والنجوم أعلى جزء تماثل الرأس الحاكم المدبر، فضلا عن اقترابها من الله تعالى؛ لهذا آمنوا بتدخلها في تسيير الأمور على الحياة الأرضية، وكما أشرنا في المبحث الثاني «تصور الطبيعة» فرض هذا نفسه على أقطاب الحضارة الإسلامية أيضا، ولم ينج منه نفر من أشدهم عقلانية كابن رشد مثلا. رفضه فقط الأشاعرة لأسباب كلامية.
وحتى بعد أن بدأ التصور الآلي الميكانيكي للطبيعة - المقترن بالعلم الحديث - يحل محل التصور الحيوي، ظل علماء الفلك منجمين، يقربهم الملوك وينفقون على أبحاثهم من أجل التنجيم، فقد كان هذا هو حال تيخوبراهه
Página desconocida