Investigaciones en la historia de la ciencia en los árabes
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Géneros
إلى درجة لا نحسب أن بلغها علم آخر من أعلام تاريخ العلوم عند العرب، مما يعد بحصاد جيد إن رمنا استكشاف أبعادها المنهجية.
فقد كان المنطلق الأساسي لهذا المبحث أن البيروني لم يبلغ مكانته التي جعلته الوحيد في الحضارة العربية الذي يلقب بلقب «الأستاذ»، وجعلت المستشرق الألماني العلامة إدوارد ساخاو (راجع هامش 1) بعد أن حقق بعض كتب البيروني يقول عنه عام 1887: إنه أعظم عقلية عرفها التاريخ، كما أكد «أرثر بوب» أنه من أعظم العقول المفكرة وعلى مستوى كل العصور، ونعت جورج سارتون - مؤرخ العلم الثقة - القرن العاشر/الحادي عشر الميلادي باسم «عصر البيروني» ... لم يبلغ البيروني هذا المبلغ، إلا لأن المنهج قد تبجلت أهميته واستبينت معالمه في رحاب البيروني ... وإذا انتهت أطروحتنا إلى هذا، فإن البيروني إذن قد وضع يده على مفتاح العلم. فالمنهج هو دماء حياة العلم والقوة المثمرة الولود إياه. النظريات قد يرسو بها المطاف في متاحف التاريخ. أما المنهج - أسلوب البحث المنضبط حين يتبلور - فإن تطبيقه يؤدي إلى النتائج تلو النتائج فيصحح بعضها بعضا ويفوق سابقها لاحقها، ليذوي هذا السابق، ومع توالي الممارسات المنهجية يصبح هذا اللاحق بدوره سابقا يوما ما، وهكذا دواليك ... يمضي السير قدما في طريق التقدم والتطور المعرفي، بفضل أو على أساس من المنهج - منطلقنا إلى عالم البيروني الخصب الزاخر.
إن البيروني أبرز علماء الحضارة العربية في الرياضيات وفي الفلك
4
الذي عرفه العرب باسم «علم الهيئة» وعدوه فرعا من الرياضيات.
5
وظل الفلك دائما وثيق الاتصال بالرياضيات، وهما مجالات يطلق عليها في قديم العلم وحديثه مصطلح «العلوم الدقيقة المنضبطة» وكان هذا من العوامل التي أكسبت عقلية البيروني منهجية مقننة، إنه أكثر أقطاب الحضارة العربية تكرسا للمباحث والعلوم العقلية.
ولئن كان البيهقي والشهرزوري ينعتان البيروني بأنه من أجلاء المهندسين، فإنه ليس رياضيا قحا، كسلفه الخوارزمي أو أبي سعيد السجزي أو سواهما، بل يتقاطع مع قطب الرياضيات والفلك قطب آخر، هو التاريخ والحضارات والأنثربولوجيا، ثم ما يستتبع تقاطعهما من مباحث تجريبية أنجز فيها البيروني، هي الجغرافيا والجيولوجيا والمعادن وأيضا الطب والصيدلة. فلا ننسى الطابع الموسوعي للعالم في العصر الوسيط.
الفلك والرياضيات أولا وقبل كل شيء، والتاريخ والحضارة ثانيا، ثم العلوم الطبيعية التجريبية، تلك هي مقاطعات علم البيروني.
وتعلو مدارج السمة العلمية حين يتبدى كيف كان اهتمام البيروني بالمباحث الإنسانية اهتماما علميا خالصا بذلك المفهوم الحديث الذي اتفقنا عليه لمصطلح العلم الذي يفيد علوما إخبارية وصفية وتفسيرية منصبة على ما هو كائن، وعلى الوجود الواقعي المتعين، وليس على ما ينبغي أن يكون، أو على مستويات أخرى من الوجود، بهذا المفهوم كانت عقلية البيروني - على ثرائها وغزارة إنتاجها - عقلية علمية في صلبها وهيكلها، في مبناها وأهدافها. أما الأبعاد الدينية والفلسفية والأدبية
Página desconocida