Historia de la Ciencia de la Literatura: Entre los Francos, los Árabes y Victor Hugo
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Géneros
فانشرح صدر الشاعر بهذه الشهرة، وارتاح باله من جهة تأمين معاشه في المستقبل، ولعب الهوى في رأسه فرأى بجانبه صاحبته من الصغر قد انتقلت إلى سن الشباب، وانتصبت قامتها كالغصن، ولبست أثواب الجمال والحسن، فهام في حبها، وأراد الاقتران بها فمنعته أمه لفقر البنت وعدم وجود مهر كاف (دوته) معها، وقطعت علائقها مع عائلة فوشر، فتألم الشاعر بألم الفراق، وأخذ يراسل حبيبته برسائل الحب والاشتياق، ونشرت هذه الرسائل بعد موته تحت عنوان «مراسلات الخطيبة».
وفي سنة 1821 توفيت والدته فحزن عليها حزنا شديدا لزيادة حنوها عليه، وكثرة إحسانها إليه، ولم يمض شهر على وفاتها حتى تزوج والده بواحدة من الغنيات الشريفات لقلة وارده وكثرة نفقاته، وبقي فيكتور هوكو وحيدا فريدا، وانتقل من الدار التي كان فيها مع أمه إلى مسكن صغير، وتضايق في أمر معاشه لقلة ما في يده، ولاحتياجه لمن يدبر له البيت ويهيئ له الطعام، وأخذ يفكر في معشوقته وفي الوصول للاقتران بها؛ لأن أباه افتقر بعد سقوط الحكومة الإمبراطورية، وأبو حبيبته لم يكن من أصحاب الثروة العظيمة، فاجتهد فيكتور هوكو في تحصيل المال، وأقبل على النظم والتأليف، ونشر سنة 1822 ديوان قصائده، فكان له رواج عظيم، وقرأه لويس الثامن عشر، وأعجب به وأحسن على الشاعر من خزينته الخاصة براتب سنوي قدره ألف فرنك، فافترج الشاعر بهذا المعاش، وتزوج بعادلة فوشر ولها من العمر 19 سنة، وبينما هم في حفلة العرس على مائدة الطعام، نهض أخوه أوجين، وأجرى أفعالا منكرة ، وفاه بكلام غير معقول، فحملوا ذلك أولا على إكثاره من شرب المدام، وذهبوا به إلى بيته، وفي الصباح وجدوه مختل الشعور، وفهموا أنه يحب عادلة محبة شديدة، وكان يخفي حبها فلما تزوجت بأخيه هاجت عواطفه وذهب عقله فوضعوه في بيمارستان سارانتون، وهو في أرباض باريس، واستمر فيه إلى أن مات، وكانت عادلة بديعة الحسن رقيقة الحواس غير أنها بسيطة الفكر غير مفرطة الذكاء، وكان زوجها متيما في حبها، فسكن مدة عند صهره، ولما بلغ راتبه من الملك 2000 فرنك في السنة خرج بها من دار أبيها، وسكنا في بيت على حدة، فولدت له أولادا كبروا وماتوا في حياته، وهم ليوبولدين ماتت غريقة في نهر السين، وشارل مات فجأة عند صاحبة له في بوردوا، وفرانسوا مات في باريس، وعادلة تزوجت على كره من أبيها، وأصيبت بداء الجنون مثل عمها وهي لم تزل في قيد الحياة، فكانت هذه المصائب باعثة على نظم القصائد التي عنوانها «أولادي»، ورثاهم أيضا في كتاب «التأملات» وغيره بأرق المراثي، وكان موحدا في الاعتقاد، ولم يتبع مذهب المسيحيين في البقاء على زوجة واحدة، بل شغف بعد ذلك بحب إحدى الممثلات، وأسكنها مع زوجته، وعمل عمل القائلين: بتعدد الزوجات مع رعايته واحترامه لزوجته الأولى.
وأخذ فيكتور هوكو يحرر في مجلة «الموز الفرنساوية» التي أنشأها الأديبان سومه وديشان، ويتردد على بيت شارل نوريه، وكان هذا الفاضل مديرا لمكتبة أرسنال، وهي إحدى المكاتب الأربع الكبيرة في باريس، ونال معاشا وافرا بسبب هذه الوظيفة، وفتح بيته للعلماء والشعراء حتى صار مجمعا للأدباء، وأسسوا فيه سنة 1824 جمعية أدبية على الطرز الجديد، وفي هذه السنة توفي لويس الثامن عشر، ولبس أخوه شارل العاشر تاج الملك، فمدحه الشاعر بقصيدة عنوانها «التتويج» فحازت القبول، وأنعم عليه الملك بوسام الافتخار من رتبة شيفاليه كما أنعم بذلك على الشاعر الشهير لامارتين، ولما نشر فيكتور هوكو ديوانه في المدح والغزل، وحاد فيه عن مسلك الشعر القديم المسمى «كلاسيك»، وسلك في النظم مسلكا جديدا انتقد عليه أصحاب الطريقة القديمة، وسلقوه بألسنتهم .
ونشر الشاعر «سنت بوف» في جريدة الغلوب بتاريخ 6 كانون ثاني سنة 1827 مقالة انتقادية كانت سببا لتحويل أنظار الناس إلى الطريقة الجديدة؛ ولتعارف الشاعرين حتى صارا من أعز الإخوان، وكان شارل العاشر قد حاد عن طريقة أخيه العادلة في سياسة الملك، ومال إلى الاستبداد، فنفر منه الأدباء والأحرار، واغتنم سفير النمسا في باريس هذه الفرصة، وندد في أمراء العساكر الذين خدموا مصالح نابوليون الأول، وأهانهم في الكلام فانتصر لهم فيكتور هوكو؛ لأن أباه كان في زمرتهم، ونظم قصيدة في مدح «العمود» أي: العمود الذي رفع لنابوليون في ميدان فاندوم، وطلي بنحاس المدافع التي غنمها في حروبه، ونقش عليه أسماء المواقع الحربية، والأمراء العسكرية. وكان الشاعر في ذاك التاريخ قد بلغ سن الرجولية، وهو السن الذي يتأهل فيه الرجل لحقوق الانتخاب، فظن كبقية أدباء العصر المتخوفين من استبداد شارل العاشر أن الحكومة الإمبراطورية أكثر عدلا وحرية من الحكومة الملوكية؛ ولذا أقبل على إظهار فضل نابوليون وإشهار مجده بدون أن يتعرض بالقدح لآل بوربون.
ونشر عقب مدحه العمود قصة كرومول، وشرح في مقدمتها طريقته الجديدة في علم الأدب، وشكل جمعية من أنصار هذه الطريقة وفي مقدمتهم ألفرد دوفينيه، وسنتابوف، وإميل دوشان، وألكساندر دوماس، وبولانجه، وغيرهم مثل لامارتين، وسموا طريقتهم «رومانتيك» كما كان المتقدمون يسمون طريقتهم «كلاسيك»، وصار فيكتور هوكو إمام المدونين في هذه الطريقة الجديدة، فانتقد عليه الكثير من أرباب السياسة وحملة الأقلام، ولاموه من وجهين أحدهما لمدحه نابوليون، وإشهاره مجد الحكومة الإمبراطورية، وثانيهما لعدوله عن مذهب الشعر القديم وسلوكه في النظم والنثر مسلكا جديدا، غير أن الشاعر لم يصغ للوم اللائمين، واستمر يتردد على بيت صاحبه شارل نوريه، وينشد قصائده أمام الحاضرين، ويستميلهم لطريقته واحدا بعد واحد، ولما اتجهت أنظار العموم نحو الشرق بسبب ثورة اليونان، وذهاب العساكر المصرية للموره، وغدر الدول في وقعة نافارين نشر فيكتور هوكو ديوانه المترجم «بالشرقيات»، ولم يزر الشرق ولا رأى نساءه مثل شاتوبريان ولامارتين، ولكنه درس أحواله درسا مدققا، وقرأ ما ترجم من كتب أدبائه مثل كلستان سعدى، وديوان حافظ شيرازي، وما ترجم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ فراج ديوان الشرقيات لحداثة موضوعه، وبحث فيه عن الممالك العثمانية، والعوائد الشرقية، وعن بلاد اليونان، وإيتاليا، وإسبانيا، وكانت النفوس متشوقة للاطلاع على ما في زوايا الشرق من الخبايا.
ثم نشر قصة عنوانها «آخر أيام المحكوم عليه»، وصور فيها الاضطراب الذي يحصل للمقتول قبل قتله. وفي سنة 1839 وجه الشاعر التفاته نحو المرسح الفرنساوي (كوميدي فرانسه)، وشرع في اكتساب الرزق من تحرير الروايات المحزنة التي يسمونها «درام»، وحرر رواية «ماريون دو لورم»، وهي غانية من غواني باريس أحبها أحد الرهبان، وكان لها نبأ عجيب على عهد لويس الخامس عشر، ولما أراد مدير المرسح تشخيص الرواية منعه المراقب، فرفع شكواه من ظلم مراقب المطبوعات إلى الملك، فلم يأذن له بتشخيصها ومع ذلك قربه إليه، ولاطفه بالكلام، وقال: «أحب قريحتك الشعرية، وليس عندي أشعر منك ومن ديزوجيه»، وزاد في راتبه حتى أبلغه 4000 فرنك، فرفض فيكتور هذا الراتب مع شدة احتياجه إليه، وشرع في تحرير رواية «إيرناني» فأكملها في بضعة أسابيع، وشخصت على المرسح الفرنساوي ليلة 25 شباط سنة 1830، واشتد بسببها القيل والقال، وعلا في المرسح الصفير والجدال بين أصحاب المذهب القديم والمذهب الحديث في علم الأدب، وتم النصر في تلك الليلة لهوكو وشيعته، ولم يبق معه من النقد سوى خمسين فرنكا، فتقدم إليه ملتزم الطبع، وبارك له بنجاح الرواية، ونقده في مقابلة حق طبعها ستة آلاف فرنك، واستلم منه النسخة الخطية، وعقد معه مقاولة على تحرير قصة «نوتردام دو باري»، وتسليمها في ظرف ستة أشهر، فأكب الشاعر على المطالعة والتحرير، وأكمل القصة قبل انتهاء الأجل المحدود، فطبعت وكان لها رواج عظيم، واسم الرواية مأخوذ من كنيسة باريس الجامعة، وهي بناء فخيم بالقرب من دار البلدية ودار الحقانية.
ولما أصدر شارل العاشر أمره بإلغاء الحرية التي منحها سلفه للشعب، وبتعطيل أحكام القانون الأساسي هاج أهالي باريس، وحدث انقلاب تموز سنة 1830، وسالت الدماء في العاصمة ثلاثة أيام بلياليها، ففر شارل العاشر من فرنسا، وتنازل عن الملك لابنه وولي عهده دوك إنكوليم - وإنكوليم بلدة بين بوردو وباريس - غير أن هذا الدوك استعفى أيضا، وانتقل الملك بالإرث الشرعي إلى دوك بوردو، وهو حفيد شارل المشار إليه، فالجمهور من الفرنساويين لم يلتفتوا إلى حقوق هذا الصبي، وانتخبوا ملكا عليهم لويس فيليب ابن عم شارل العاشر؛ لقبوله إعطاء الأهالي حقوقهم وتعهده بحماية القوانين، فهوكو - شاعر الملك والمدافع عن حقوق الملكية، وناظم القصائد الغراء في ولادة دوك بوردو صاحب الميراث الشرعي، وفي رثاء أبيه دوك بري - لم يهتز لهذه الحوادث، بل أظهر استحسانه ما فعله الشعب، ولم يعبأ بالمسائل السياسية، وظل يشتغل في فنون الأدب فنشر ديوانه المسمى «أوراق الخريف»، وشخص على المرسح الفرنساوي سنة 1831 رواية ماريوم دولورم التي منع تشخيصها سابقا، ثم رواية «الملك يتسلى»، وهي رواية تاريخية موضوعها فرانسوا الأول الذي التجأ إلى ساكن الجنان السلطان سليمان القانوني من شر عدوه شارلكين؛ فمنع مراقب المطبوعات إعادة تشخيص هذه الرواية للتعريض فيها بالملوك، فرفع الشاعر شكواه إلى محكمة التجارة، ودافع عنها بنفسه أمام الحكام، فلم يسمحوا له بالتشخيص، ولم يجر تشخيصها مرة أخرى إلا سنة 1882، وكان الذي ربحه فيكتور هوكو من مؤلفاته كافيا لإنقاذه من مخالب الفقر وسعادة حاله ففتح بيته للزائرين؛ حتى صار مجمع الأدباء ومركز الشعراء، وفي جملتهم الكاتب الشهير تيوفيل غوتيه إلا أن الشقاق وقع بينه وبين صاحبه القديم ألكساندر دوماس، ودام الخصام أعواما كثيرة؛ لأن غيرة الشعراء والعلماء بعضهم من بعض أشد من غيرة الأمراء.
وجفاه أيضا حبيبه سنت بوف الماهر في فن الانتقاد، وقال عن مؤلفاته: بأنها ممزوجة بآراء السياسة الملكية، والديانة الكاثوليكية، والفلسفة السيمونية - وهي التي وضعها الكونت سن سيمون في آواخر القرن الثامن عشر، وفرض فيها تعلم الصنائع على كل فرد من أفراد الأمة، فلم يتبعه إلا القليل من الناس مثل كارنو والد رئيس الجمهورية الأسبق - فعمل برأيه ومع جلالة قدره جعل أحد أولاده نجارا، والآخر مهندسا وكلاهما من أكابر رجال الدولة، ثم ألف فيكتور هوكو رواية «لوكريس بورجيا»، وهي أخت قيصر بورجيا الشهير بالإسراف وفساد الأخلاق، وكانت بديعة الحسن ولها حديث غريب، فشخصت هذه الرواية في 2 فبراير سنة 1833، فأقبل الناس على استماعها، ثم شخصت مرارا على المرسح الذي بباب سن مارتن، وكانت الممثلة التي شخصت دور الأميرة نيكروني هي ماد موازيل جوليت دروه التي سبت الشعراء بحسنها وعقلها، فشغف فيكتور هوكو بحبها، وبعد أن تردد على بيتها كثيرا أسكنها في بيته عند زوجته فلامه أحد أصحابه، فحرر إليه يعتذر بأن زوجته أذنت له وسامحته على ما فرط به من حب جوليت، ولم تزل زوجته تحبه وتعزه، واستمرت في صحبة الشاعر، ورافقته في منفاه، وكانت تحرر له القصائد وهو يملي عليها، ودامت معه إلى بعد وفاة زوجته ورافقته أيضا في سن شيخوخته، ونشر فيكتور هوكو أيضا رواية «ماري تيدور»، وهي ملكة الإنجليز، ورواية «أنجلو»، وهو أمير ظالم من أمراء الطليان، ورواية «ربوبلاس»، وهو اسم خادم الوزير الذي خدعت به ملكة إسبانيا، وكثيرا ما تشخص اليوم على المراسح الفرنساوية هي ورواية «إيرناني»، ورواية «كلودكو»، وهي مما ترجم من مؤلفات هوكو إلى التركية، وفيها دفاع بليغ عن المحكوم عليهم بالإعدام وتشنيع هذا القصاص.
ومما نشره في هذا التاريخ من الأشعار الموسيقية غير أوراق الخريف «أغاني الشفق»، و«الأصوات الداخلية»، و«الأشعة والظلال»، وغير ذلك؛ فصار فيكتور هوكو بهذه التآليف يعد من فحول أدباء العصر، وانتسب لدوك أورليان وزوجته ووجه عليه لويس فيليب نشان الافتخار من درجة أوفيسيه، وأهداه صورته، وانتخبته الأكاديمي الفرنساوية عضوا في جمعيتها بأكثرية صوتين فقط بعد أن عارض أعضاؤها زمانا طويلا في قبوله لشدة تمسكهم بالقواعد، وأساليب الإنشاء القديمة، ولم يدخلوه بينهم إلا بعد أن اشتهر فضله كالشمس في رابعة النهار.
وسنة 1839 ساح فيكتور هوكو في جبال الألب على حدود إيطاليا وسويسرا، وشاهد مناظرها البديعة وزار بعد سنتين ضفاف الرين، ودرس أحوال بلاد الألمان، وكتب سياحته في مجلدين نشرا بعد موته، وألف أيضا رواية «بورغراف» التاريخية وبين فيها أخلاق أمراء الألمان في القرون الوسطى، فشخصت على المرسح الفرنساوي سنة 1843، ولم يقبل عليها الجمهور ولا حصل منها أرباح للمشخصين، فتكدر الشاعر من سوء طالعه، وعدل عن تأليف الروايات، وترك رواية «التؤام» التي شرع في تأليفها بدون أن يكملها، وكانت الأفكار العمومية تحولت عن طريقة الأدب الجديدة (رومانتيك)، وعادت للإقبال على طريقة (كلاسيك) القديمة لظهور بعض المؤلفات الجديدة فيها، وبمناسبة ذلك هزأت بعض الجرائد الهزلية بفيكتور هوكو وصورته برأس كبير، وهو واقف أمام المرسح بجانب إعلان هذه الرواية ينظر إلى السماء، وقد طلع ذو ذنب وكأنه يناجي ربه وهو يقول: «لماذا جعلت للنجوم أذنابا وتركت البورغراف بلا أذناب»، وتطلق كلمة بورغراف على ذوي الآراء السخيفة في ضروب السياسة، والمقصود تركت الرواية بلا جمهور يزدحم على باب المرسح، فيتألف منه ذنب طويل كما هي العادة في إقبال الناس على الروايات المهمة، واصطفافهم الواحد وراء الآخر لاشتراء أوراق الدخول.
Página desconocida