Historia de la Ciencia de la Literatura: Entre los Francos, los Árabes y Victor Hugo
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Géneros
فمما ورد في هذا الديوان من بدائع المعاني القصيدة الثالثة من الفصل الثاني، وعنوانها «تذكار ليلة 4»، وهي الليلة الثانية من جلوس نابوليون على تخت الإمبراطورية، نظمها الشاعر ليلة عيد الجلوس سنة 1852، وصور فيها ما شاهده في تلك الليلة وجسم الحادثة بكيفية بديعة، ومضمونها أن صبيا يتيما حسن الصورة حسن الأخلاق كان يلعب مع الصبيان أمام دارهم فأصابته رصاصتان من بنادق عسكر الإمبراطورية ، وهم يتجولون في شوارع باريس لإرهاب الناس وتسكينهم؟ ولم يكن لهذا الصبي المقتول إلا جد وجدة طاعنان في السن ليس لهما وارث سواه، فأدخلته جدته الدار والدم يسيل من جراحاته ومات بين يديها، فأخذت تنوح وتلطم وتقول: وا سوأتاه! وا حسرتاه! كيف أعيش بعدك يا ولدي ومهجة كبدي، لم تخلف لي أمك سواك، أفهموني أنتم يا حاضرون لماذا قتلوه؟ أريد أن تعرفوني السبب، الصبي لم يصرخ لتحي الجمهورية.
قال الشاعر: أما نحن فكنا واقفين صامتين مدهوشين وفرائصنا ترتعد أمام هذا المأتم الذي لا عزاء له ... إلى أن قال لها مخاطبا: أيتها الجدة إنك لا تفهمين السياسة أبدا، الموسيو نابوليون - وهذا اسمه الصحيح - فقير بل وأمير أيضا (برنس)، يحب القصور ويقتضي أن يكون له خيل وخدم، ونقود للعب القمار ولسفرة الطعام ولخزائن الملبوسات وللخروج للصيد، وبهذه الوسيلة يخلص العائلة والكنيسة والجمعية، ويريد أن يكون قصر سن كلو مملوءا بالورد طول الصيف لتأتي إليه ولاة البلاد وأعيانها ويسجدوا له، فهذا هو السبب الذي أوجب الجدات العجائز أن يخطن بأصابعهن المرتجفة من الهرم أكفان صبيان لم يتجاوزوا من العمر سبع سنين.
والقصيدة السادسة من الفصل الثالث عنوانها «الشرقية» قال فيها :
لما رأى عبد القادر وهو في سجنه قد دخل عليه ذاك الرجل الضيق العينان، الذي يسميه التاريخ نابوليون الثالث قال مزدريا: من يكون هذا الرجل؟ رأى وهو في نافذته رجل قصر الإيليزة الأحول يمشي وخلفه قطيع كالغنم في خدمته، أما هو فكان أسد الصحراء والسلطان الذي ولد تحت أشجار النخيل، وصاحب السباع الكاسرة، فهو الحاج النافر وعيناه هاديتان، والأمير المفكر الشديد الرحيم، وهو رجل عابس متشائم وشبح أصفر في برنس أبيض، وثب وهو خمران بمداومة الحرب ثم وقع في الظل على الركب، وهو الذي يصلي على قارعة الطريق، ويجلس في الخباء المرفوع الأطناب ويري النجوم يديه المصبوغتين بدم الإنسان وهو ساكن الجأش، وهو الذي يسقي السيوف ويجلس على الرءوس المقطوعة مفكرا في بديع خلق السموات، فلما رأى لحظ هذا الرجل الخائن المحتال وجبهته المظلمة من الخجل أحجم عنه هو العسكري الجميل، والشيخ المهيب الجليل ونفر من شاربي ذاك الشنيع.
51
فقيل له: انظر أيها الأمير بلطاة العساكر وهي مارة، فهذا الرجل هو قيصر الحرامي، اسمع هذه الشكايات المرة وهذا الصراخ المتعال، فهذا الرجل الذي لعنته الأمهات ولعنته الزوجات؛ لأنه رملهن وكسر قلوبهن، وأخذ فرنسا وقتلها وهو الآن يلغ في دمها، فحينئذ سلم عليه الحاج عبد القادر، ولكنه في الباطن احتقر هذا الدني الدموي. فهذا النمر الأشم الأنف شم ذاك الذئب وهو مستخف به ا.ه.
نظم فيكتور هوكو هذه الهجوية، وهو في جزيرة جرسي في نوفمبر سنة 1852، وكان الإمبراطور نابوليون بعد جلوسه يذهب للاصطياف في مدينة بو التي هي من أجمل المدن الفرنساوية على حدود جبال البيرينة، وفي مدينة بياريس التي على ساحل المحيط الغربي بالقرب من الحدود الإسبانية، فزار في إحدى سفراته الأمير عبد القادر الجزائري ولطفه وأطلق سراحه.
فإن هذا الأمير الخطير بعد أن ثبت أمام الفرنساويين 15سنة، وأظهر من البسالة والدراية في الحرب ما لا مزيد عليه اضطر سنة 1264 على تسليم نفسه، فسيره الدوق دومال والي الجزائر في ذلك الحين إلى فرنسا، فأنزل في قصر لا مانع من مدينة طولون، ثم نقل منه إلى قصر مدينة بو ويسمى قصر هنري الرابع، وهو من أحسن القصور بناء وزينة، ولم يزل السائح يشاهد فيه الدائرة التي سكنها الأمير عبد القادر سنة 1848م، ثم نقل منه إلى قصر إمبواز وهو بالقرب من مدينة تور، التي انتهت إليها فتوحات العرب في أوائل القرن الثاني من الهجرة، وفي سنة 1269ه حضر الأمير عبد القادر للأستانة، ونال التفات السلطان عبد المجيد وذهب يقيم في مدينة بروسه، ولما حصلت فيها الزلازل ارتحل عنها إلى دمشق سنة 1272ه، وتوفي سنة 1300ه في قصره الذي بقرية دامر فنقل نعشه إلى الصالحية، ودفن بتربة محيي الدين بن العربي - رحمهم الله جميعا - والأمير عبد القادر هو رب السيف والقلم، وله تآليف معتبرة مطبوعة وترجم إحداها للفرنساوية الموسيو دوغا، وكان الأمير عضوا فخريا في الجمعية العلمية الفرنساوية.
ومما في هذا الديوان من الأهاجي والمناجات البليغة المنظومة الثالثة من الفصل السادس، وعنوانها «دعاء المغربين»، وفيها توسلات إلهية ومخاطبات لحمام الوادي، ونسيم الصبا كأنها مترجمة عن العربية قال فيها:
يا الله يا كبير إليك ترتفع أكفنا، ونحوك تشخص أبصارنا، اللهم إن هؤلاء المكبلين بالحديد وعبراتهم تسيل على الخدود لهم أشد الممتحنين بلاء، مع أنهم أصلح الناس حالا، أيتها الطيور المارة إن هناك منازلنا، أيتها الرياح الجارية إن هناك أخواتنا وأمهاتنا يبكين ليلا نهارا، بلغيهم يا طير بؤسنا، واحمل إليهم يا نسيم الصبا أشواقنا، وأنت يا الله نرسل إليك فكرنا، ونسألك أن تنسى هؤلاء المحكوم عليهم بالقتل ظلما، ولكن أن تجعل مجدهم لفرنسا المهانة، وأن تتركنا نحن المظلومين نموت في هذا العذاب الأليم ... إلخ.
Página desconocida