إذا هم نكصوا، كانوا لهم عقلا ... وإن هم جمحوا، كانوا لهم لجما «1»
فإنهم يحفرون حول المدينة خندقا يحيطها كما تحيط الهالة القمر وقد سر المصطفى صلوات الله عليه من ذلك الكلام، وقاس الواقعة التي هو فيها على الواقعة الماضية، وأصدر أمره النبوي بحفر خندق يحيط بالمدينة بعرض عشرة أمتار وبعمق عشرة أيضا.
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر «2»
ولأن المصطفى عليه السلام- مع كونه نبيا رسولا- قد انتفع من تواريخ وأخبار الماضين، واستضاء بمصابيح أفكارهم في دفع البلاء، فإن على العالمين الاقتداء بالمصطفى سيد ولد آدم صلوات الله عليه، وأن يستفرغوا وسعهم في الاغتراف من بحار التواريخ وأنوار القصص، والاعتقاد بأن ما فعله المتقدمون في حفظ مصالحهم، ينبغي أن يكون درسا للمتأخرين:
وريش الخوافي تابع للقوادم «3»
فصل: وليس هناك من هو أشد حاجة لهذا العلم- التاريخ- من الملوك والأمراء، لأن كل مصالح الخلق مرهونة بفكرهم ودرايتهم، وكل ما يقع في الممالك من خير وشر، فتدبيره ودفعه منوط بأوامرهم؛ وهم بحاجة إلى معرفة الحوادث، ووقائع الملك، ومكائد الحرب، والتدابير التي اتخذها الملوك السابقون، كما يحتاج الأطباء إلى أصول ومعالجات وكتب المتقدمين، والأدباء والفصحاء إلى كتب وتصانيف
Página 105