كفى زاجرا للمرء أيام دهره ... تروح له بالواعظات وتغتدي «1»
فائدة أخرى: إن وسائل المعرفة لدى الإنسان هي: العقل والحس والمشاهدة، والمسموعات هي من أبواب المحسوسات، ولا يمكن معرفة أحوال العالم عن طريق العقل؛ كما لا يمكن لإنسان ما أن يبقى حيا مدى الدهر ليطلع على أحوال وأخبار العالمين.
إذن فالطريق لمعرفة أحوال وأخبار البشر، والطريق لمعرفة الأقوال والأخبار والآثار هو طريق التأمل في التواريخ، وفوائده مستنبطة بالاستماع.
فائدة أخرى: علم التواريخ علم لذيذ ومستساغ تغلب فيه الهشاشة والبشاشة على الملل والسأم؛ ولا تعجز خطوات خطراته عن نيل المقصود [9] ، ولا يقصر البنان واللسان عن تحصيله وتفصيله، ولا ينقص من قدره الانقطاع عن مشاهدة المحسوسات من وقائعه، ويعبق نسيم عرفه من بساتين أنس الصدور وحظائر قدس القلوب، والإنسان مجبول على حب الإحاطة بالعلم وأحوال العالم الكائنة والموجودات، وحال حاسة السمع عند استماعها الأخبار والحكايات، كحال العين في نظرها للوجوه الجميلة؛ فكما أن كمال العين هو بالنظر إلى الوجوه الجميلة، فإن كمال السمع بالاستماع إلى التواريخ والأخبار، وليس في حواس الإنسان أشرف من حاستي السمع والبصر، وقيل في الأمثال: «لا تشبع عين من نظر، ومسمع من خبر، وأرض من مطر» «2» .
Página 98