الملك ثيودور أليكسييفتش.
وبعد ذلك حارب الملك كارلوس ملك أسوج حروبا عديدة، انكسر فيها أمامه، غير أن هذا الانكسار لم يثبط عزائم بطرس، بل قال: «إن الأسياد الأسوجيين يحتمل أن يغلبونا عدة مرار، ولكنا نتعلم منهم كيف نغلبهم.» وفي 16 مايو/أيار، بينما كان الملك كارلوس يحارب في بولونيا، استطاع بطرس كسر جنود الأسوجيين الذين تركهم كارلوس على شواطئ البلطيق، وفي إحدى الجزائر التي استولى عليها، الواقعة على نهر نيفا، وضع أساس مدينة بطرسبرج عاصمة روسيا الجديدة.
وبعد ذلك احتاج بطرس إلى المال، فوضع أساسا لإيرادات جديدة، فأنشأ ورق «الدمغة»، وأمر ببيعه للأهالي، ووضع الضرائب على الأهلين، وطلب مالا من الأديرة، حتى إنه أمر بأخذ أجراس كثيرة من الكنائس وصبها مدافع. وفي مدينتي نوفغورد وبسكوف، ساق بطرس أهالي المدن والجنود والكهنة والنساء لبناء القلاع والحصون، وبواسطة نشاطه المتواصل أصبح لديه بعد زمن قصير جيش جعل ينتصر انتصارات متوالية، وأخذ بعد ذلك يزيد في عمران وتحصين مدينة بطرسبرج، وقد انتصر في خلال ذلك بطرس أول انتصار بحري؛ فإن مركبين أسوجيين اقتربا من نيينتانتس لتعزيز حاميتها، وكان بطرس قد استولى عليها دون أن يعلم العدو بذلك، فلما بلغ بطرس قدوم المركبين سار مع منشيكوف وفرقة من الجنود على الزوارق، وبعد معركة كبرى أطلقت فيها المدافع، كسر العدو واستولى على المركبين، وكان هو في مقدمة الصاعدين إليهما. وعلى هذه الصورة تم إنشاء مدينة بطرسبرج، التي أحبها بطرس الأكبر محبة شديدة؛ لأنه المؤسس لها، وغدت محل إقامته، وأصبحت بعد ذلك من أهم مرافئ روسيا التجارية، وقد بلغ عدد سكانها على عهده أربعين ألفا.
إصلاحات بطرس الأكبر
إذا أراد الكاتب تعداد الإصلاحات التي قام بها هذا المصلح العظيم، فإنه لا يستطيع إلى ذلك سبيلا، وإني أذكر منها نزرا يسيرا؛ ليكون دليلا على مجموعها.
الملك أليكسي ميخايلوفيتش.
بعد رجوعه من أوروبا منع الروسيين ارتداء الملابس الواسعة، التي تعيق الحركة وتبعدهم عن الغربيين، ثم أمر عام 1700 أن يكون ابتداء السنة الجديدة من أول يناير/كانون ثان، وكان يبتدئ قبلا من شهر سبتمبر/أيلول، ثم أصلح القضاء إصلاحا عظيما. ثم قسم المملكة إلى ولايات وجعل عددها 12 ولاية، وأنشأ مجلس الشيوخ؛ ليكون مراقبا على أعمال الولاة والقضاة، ثم جعل إدارة الأمور الدينية في البلاد، في مجلس دعاه مجلس السينودوس، وفي أيامه انتهى زمن البطاركة. أنشأ أوسمة الشرف لمكافأة الموظفين الأمناء، فأنشأ وسام القديس أندراوس المدعو أولا، ووسام القديسة كاترينا، وأصلح الجندية والأسطول إصلاحا باهرا، فبلغ عدد الجيش في أيامه 200000 جندي منظم، ولما توفي كان الأسطول الروسي مؤلفا من 40 مركبا كبيرا و800 مركب صغير. أصلح حالة الفلاحين الذين كانوا مستعبدين للأشراف الذين كانوا يبيعونهم بيع السلع، ومنع بيعهم بيعا إفراديا؛ أي إنه لم يسمح لأصحاب الفلاحين بيع أب العائلة أو ابنها. أنشأ مدرسة لتعليم أبناء الموظفين والأهالي المتمدنين، وأنشأ عام 1715 مدرسة تحت اسم الأكاديميا البحرية، وأنشأ عدة مدارس في مقاطعات عديدة، وكل تلميذ كان يخرج من هذه المدارس بدون أن ينجح في الامتحان ويتحصل على شهادتها، كان يمنع من الزواج. ثم أرسل إرساليات عديدة من الطلبة إلى أوروبا، وكان يمتحنهم بنفسه، وأمر الأساقفة أن ينشئوا في منازلهم مدارس لتخريج الكهنة، وأجبر رجال الدين على تعلم - عدا العلوم اللاهوتية - التاريخ والجغرافيا والحساب والآداب. ثم هذب بنفسه الحروف الهجائية الروسية، ونقلها من حالتها القديمة إلى حالتها الحاضرة.
الملك ميخائيل ثيودورفيتش.
وقد أصلح العيشة العائلية إصلاحا يذكر، وهدم الحجاب، حيث كان أغلب الأغنياء يحجبون نساءهم وبناتهم؛ ولهذه الغاية كان يولم الولائم في البلاط الملوكي، ويدعو إليها القواد والأشراف، ويرغمهم على إحضار نسائهم وبناتهم، وأمرهم أيضا أن يقيموا في منازلهم ليالي السرور ويدعون إليها معارفهم، وفعل كل ذلك لنشر روح الولاء بين الهيئة الاجتماعية الروسية. وفي الصيف كانت تعين أيام خاصة للرياضة في حدائق بطرسبرج، كان يجب على الطبقة الراقية حضورها بمجرد سماعها الضرب على الطبل، وبهذه الطريقة تخلصت المرأة الروسية من أسر الاحتجاب، ومن الملابس الخاصة القديمة، وأمر أن تكون المدة بين الخطبة والزواج ستة أسابيع، يجوز فسخ الخطبة في خلالها، وأصدر أمرا بأنه لدى عقد القران يجب على والدي العروس أن يقسما يمينا بأن هذا الزواج برضاء ابنتهما، وبوجه الإجمال فإن بطرس الأكبر قام بحروب عظيمة، كان الفوز فيها حليفه، ووسع أملاك روسيا، وأصلح عادات أهلها، ومهد لها الطريق إلى المدنية، ويروى عنه روايات عديدة في ديار الغربة، وحكايات ونوادر لم أجد لها متسعا في هذا الكتاب الصغير.
الاحتفالات الشائقة
Página desconocida