غير أن الصناعة لم ترتق الارتقاء الحقيقي إلا بعد تحرير الفلاحين من نير الاستعباد، فنمت بعد ذلك الصناعة، وزادت معامل الأقمشة والسكر، ومع هذا كان يزداد عدد السكان أيضا، وتزداد مطالبهم زيادة مطردة، ومع مرور الأيام ارتقت الصناعة رقيا محسوسا، وما زالت الحكومة عاملة على إبلاغها درجة الكمال، حتى تضارع الصناعة في أرقى الممالك والبلاد.
الإمبراطور بولص الأول.
طرق المواصلات في خلال ثلاثة قرون
إذا ألقينا نظرة على تاريخ الأمم، لا نجد في العالم أمة تملك أراضي مثل الأمة الروسية، التي تملك أراضي شاسعة متباعدة الأطراف، مترامية الأكناف، وقسم عظيم منها مغطى بالأحراش الكثيفة والمستنقعات، وكانت المواصلات في العصور الماضية صعبة جدا لقلة الطرق، فكان الناس يسافرون على أرجلهم، أو على ظهور الحيوانات، أو على الزوارق، متنقلين من نهر إلى نهر. وليتصور القارئ الصعوبة التي كان يصادفها الأهالي، فإنهم كانوا إذا أرادوا الانتقال من نهر إلى نهر، يجرون الزورق أو المركب على الأرض، أو على ظهر نقالات من عيدان الأشجار الغليظة، حتى يوصلوه من نهر إلى نهر. ولهذه الغاية كانوا يصنعون مراكب خفيفة يسهل نقلها، وعدا ذلك فإن القرصنة كانت شائعة في تلك الأيام، فإذا أقبل لصوص البحر على مركب يصرخون على أصحابه بقولهم لهم: ارفعوا أيديكم إلى فوق. فيستولي عليهم الرعب وينقادون صاغرين لأولئك القرصان. وقد قال أحد المؤرخين إن الخوف كان مستوليا على الأهالي من القرصان، لدرجة أن ثلاثة منهم يستطيعون سلب ثلاثين وأربعين رجلا من الأهالي.
الإمبراطورة كاترينا الثانية.
وعلى عهد بطرس الأكبر بدءوا في إنشاء الطرق، فأصدر أمره بتعيين لجنة خاصة للاهتمام بهذا الأمر، وملاحظة الأعمال. وفي عام 1706 أنشئت في روسيا أول ترعة، وهي المعروفة بترعة لادوجسكي، وكانت الطرق البرية معدومة على عهد بطرس الأكبر وما بعده من الملوك، فكان الإنسان يقطع المسافة بين موسكو وبطرسبرج في خمسة أسابيع؛ لكثرة المستنقعات التي تعترضه في طريقه، وعدم وجود الجسور، ولكن الملوك والملكات كانوا يوجهون التفاتهم رويدا رويدا إلى إصلاح الطرق البرية والبحرية، فاستدعوا لهذه الغاية مهندسين من إسبانيا وفرنسا وهولاندا؛ لإنشاء الترع والطرق.
وفي عام 1829 أنشئت في لوندرا أول سكة حديدية، ونسجت بعد ذلك على منوالها الممالك الأخرى، وقد قدم في ذلك العهد إلى روسيا المهندس النمساوي فون جيرستنير، لأعمال خاصة به، وفي خلال وجوده طلب من الحكومة الروسية امتيازا لإنشاء خط حديدي، ولكنها رفضت طلبه.
وفي عام 1838 شرعت الحكومة الروسية بمد أول خط حديدي من بافلوفسك إلى بطرسبرج، وإذ ذاك ظهر مشروع إيصال بطرسبرج بموسكو بخط حديدي، وقد حصل بهذه المسألة مناقشات عنيفة، فإن الأكثرية قاومت هذا المشروع مقاومة شديدة، بحجة عدم وجود الإيرادات الكافية من الخط. وقال أحد المعترضين: إن مقدار الشحن الذي يشحن من موسكو إلى بطرسبرج، لا يزيد في العام الواحد عن 7900 بود، وعدد الركاب لا يزيد عن 8000، ومجموع الإيراد من ذلك لا يزيد عن 5650 روبل (565 جنيها مصريا) فاعترض الكونت «تول» ناظر طرق المواصلات على هذا الاعتراض بقوله: إن قلة الشحن والركاب ناجمة عن رداءة الطرق، فإذا زال هذا السبب وتسهلت المواصلات، يزداد مقدار الشحن وعدد المسافرين، وبعد مناقشات طويلة رفض مجلس الوزراء المشروع بأغلبية الأصوات بحجة عدم فائدته.
ولكن الإمبراطور نقولا الأول عقد مجلس الوزراء تحت رئاسته في 1 فبراير/شباط عام 1842، وبعد أن سمع مناقشة الوزراء بشأنه، قرر أن المشروع مفيد ومستطاع، وأصدر أمره بالشروع في العمل، وعلى هذه الصورة بدئ في روسيا بإنشاء الخطوط الحديدية، التي أخذت تزيد يوما فيوما، حتى زادت زيادة عظيمة، وتألفت منها في هذه الأيام شبكة من الخطوط، تبلغ مساحتها ما يزيد على 60000 فيورست، مخترقة جميع أنحاء المملكة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، ومن ذلك يتضح ما قام به ملوك آل رومانوف من الخدمات في تسهيل المواصلات برا وبحرا.
الإمبراطور بطرس الثالث.
Página desconocida