Educación y Enseñanza en el Islam
التربية والتعليم في الإسلام
Géneros
218
فإذا سرد المملي الحديث، أعاد المستملي قوله كلمة كلمة محاكيا ألفاظ الشيخ، فإذا فرغ الشيخ ودعا للحاضرين دعا المستملي مثل دعائه للحاضرين ولنفسه.
وقد كانت الرحلة في طلب العلم واستملاء الحديث منتشرة في كافة أرجاء مملكة الإسلام، وكانت قبلة الناس في القرن الأول هي المدينة ومكة والحجاز بصورة عامة. وقد ظل هذا الاتجاه معمولا به في العصر الأموي على الرغم من انتقال العاصمة إلى دمشق ووفود العلماء إليها؛ لأن الحجاز ظل طوال ذلك القرن هو العاصمة الروحية للإسلام. وما جاء القرن الثاني للهجرة حتى أخذت الرحلات تتنوع إلى ديار الإسلام الأخرى؛ لأن قسما كبيرا من أهل الحجاز والمسلمين الأولين في الجزيرة أخذوا يستوطنون البلاد المفتوحة ويستقرون فيها، كالفسطاط ودمشق والبصرة والكوفة وبغداد ومدن المشرق. وكان طلاب العلم في الأندلس والمغرب على الرغم من نبوغ جمهرة كبيرة منهم في ديارهم، فإنهم كانوا يرحلون إلى المشرق في سبيل طلب العلم والحديث إلى مصر والحجاز خاصة؛ فإن الحلقات العلمية في مساجد ديارهم لم تكن لتشبع نهمهم العلمي؛ فقد كانت مصر بمساجدها وحلقاتها منذ القرن الأول من مراكز الثقافة الإسلامية الكبرى؛ ظهر فيها الشافعي وانتشر فيها مذهب مالك إمام أهل المدينة. وأما الحجاز فهي مهبط الوحي، وقد نبغ فيها المئات من الأئمة والفقهاء والمحدثين والأدباء، وعلى رأسهم الإمام مالك، وقد اتصل المغاربة والأندلسيون بمالك وتلاميذه في الحجاز ومصر، فأحبوا مذهبه واعتنقوا طريقته وتحمسوا له واختصوا به. قال ابن خلدون: وأما مالك فاختص بمذهبه أهل المغرب والأندلس لما أن رحلتهم كانت غالبا إلى الحجاز وهو منتهى سفرهم، والمدينة يومئذ دار العلم ومنها خرج إلى العراق، ولم يكن العراق في طريقهم، فاقتصروا على الأخذ من علماء المدينة وشيخهم يومئذ وإمامهم مالك وشيوخه من قبله وتلاميذه من بعده، فرجع إليه أهل المغرب والأندلس وقلدوه ممن لم تصل إلينا طريقته.
219
التدوين
يراد به تدوين العلم وكتابته في الكتب والسجلات والدفاتر. وقد زعم بعض الباحثين من المستشرقين والشرقيين أن التدوين عند العرب لم يظهر في الإسلام إلا في أواسط القرن الثاني للهجرة؛ أي بعد انقضاء الدولة الأموية، وأن التدوين قبلئذ لم يكن معروفا إلا في نطاق ضيق جدا، وهو نطاق القرآن وبعض الأحاديث النبوية، وأن العرب لم يدونوا أدبهم إلا بعد أواسط المائة الثانية للهجرة، وكانوا قبل ذلك يتناقلون أدبهم حفظا ورواية ليس غير، إلى أن جاء العصر العباسي فدونه الكتاب والمؤلفون.
وليس لهؤلاء الباحثين من المستشرقين والشرقيين حجج قوية يعتمدون عليها، وإنما هي أوهام وظنون وأباطيل سار بها بعض الشعوبيين من الكتاب القدماء، فتلقفها المستشرقون وشعوبيو اليوم، ورفعوا بها عقائرهم، وملئوا بها كتبهم وهدفهم الأول من وراء ذلك هو التهجم على العرب، والطعن في تاريخهم، وهتك حرمة آدابهم، والطعن في صحة ما ابتدعوه قبل الإسلام أو بعده من الحكمة والشعر الخالدين، وليس قول هؤلاء جميعا إلا باطلا في باطل، فإن التدوين الأدبي كان معروفا عند العرب قبل الإسلام؛ فقد دون عرب زمن الفترة شعرا وعلقوه على الكعبة، كما دونوا كثيرا من مأثور كلام عقلائهم شعرا ونثرا، كما دون متهودوهم ومتنصروهم في الجزيرة آيات من الكتاب المقدس؛ فإنه لا يعقل أصلا أنهم كانوا يؤدون شعائر الدين الموسوي أو النصراني بالعبرية أو السريانية، فإنهم كانوا عربا يعتزون بلغتهم ويفخرون بلسانهم العربي المبين.
وليس هذا القول قولا جزافا ألقيناه بدافع العصبية لأجدادنا وتاريخنا وقوميتنا العربية، وإنما هو قول يعتمد على سنن الكون وأنظمة الحياة؛ فقد كتب العرب قبل الإسلام وكانت لهم حضارة وكان لهم علم وكان لهم أدب، وكانت عندهم كتاتيب ودور للتعليم على ما فصلناه قبلا، وقال المرزباني في الموشح في معرض حديثه عن النابغة الذبياني إن العرب في الجاهلية كانوا صنفين؛ أهل البوادي وأهل القرى أي المدن. أما أهل البادية فقد كانوا بدوا أميين، أما أهل الحواضر والمدن فقد كانوا متعلمين ذوي حصافة وحس مرهف، وإن «أهل القرى ألطف نظرا من أهل البدو، وكانوا يكتبون لجوارهم أهل الكتاب».
220
ولا ريب في أن نصارى الحيرة والشام من المناذرة وآل غسان كانوا ذوي حضارة زاهية وأدب وعلم وكتابة وفهم؛ لأن آثارهم الباقية وقصورهم الشاهقة لتدل على مبلغ ما سموا إليه من رقي، وروى العالم الثقة الثبت العالم ابن جني عن حماد الراوية (؟-155) أنه قال:
Página desconocida