Biografías Egipcias y Occidentales

Muhammad Husayn Haykal d. 1375 AH
81

Biografías Egipcias y Occidentales

تراجم مصرية وغربية

Géneros

وكان حب شلي للجمال ودفاعه عن الحرية أثرا من آثار طيبة قلبه وحبه الناس وبره بأصدقائه، وقد عرف في أثناء مقامه بكازاماني بالقرب من بيزا أن صديقه لي هنت في عوز فدعاه إلى إيطاليا، واتفق ولورد بيرون أن يصدر هنت جريدة في إيطاليا يكون لها امتياز السبق إلى نشر قصائد بيرون، وفيما كان هنت في طريقه إلى بلاد الشمس والضياء، كان شلي سعيدا بيخته سعيدا بزورق صغير صنع له كي ينقله وصاحبه وليمز من اليخت إلى بيته أن كانت مياه البحر لا تسمح برسو اليخت على الشاطئ، وكان كثيرا ما يستلقي في أثناء رحلاته على الماء تاركا السفين يلعب به الموج ذاهبا هو في تيهاء تأملاته وأحلامه، فإذا عاد إلى داره التمس في مجاوراته مكانا منعزلا بين الغياض والشجر وقضى نهاره يقرض من شعره الموسيقي الساحر ما يهبه للحياة وللحرية تارة ولزوجه ماري طورا ولجين وليمز التي أصبحت ربة شعره في هذه الفترة الأخيرة أكثر الأحايين، وكثيرا ما كان ينقضي النهار وهو في عمله عند جذع شجرة اتخذها وسط الغابة مكتبا، ناسيا في أثناء ذلك طعامه وشرابه، مكبا على خياله وشعره، حتى لكانت زوجه وكان صاحبه ترلوني يذهبان إليه ينتشلانه من عالمه الجميل السعيد ويردانه إلى الحياة التي يعيش فيها على طريقته من التقشف والزهد.

ووصل لي هنت، فذهب شلي وقابله في ليفورنو، ومن هناك ذهب به إلى بيرون في بيزا ليتموا الاتفاق في شأن الجريدة التي تحدث شلي لصاحبه الشاعر الكبير عنها، ومع ما بعث به فقر هنت وسوء حال أولاده من التقزز إلى نفس بيرون، فقد ظل به شلي حتى انتهى بإلزامه أن يقوم بعمل من أعمال البر لرجل أخلص للأدب وللشعر حياته، فلما آن له أن يرتحل عائدا إلى بيته فوق سفينته عصفت ريح جعلت السفرة مخوفة، حتى لقد تردد ترلوني الذي قضى فوق لج البحر حياته في أن ينصح لهما بالسفر، لكن شلي كان إذا اعتزم فعل، فاصطحب صديقه وليمز وغلاما معهما وأقلعوا يوم الاثنين الثامن من أغسطس سنة 1822 وانتظرتهما زوجاهما في ذلك اليوم الذي انقضى من غير أن تقفا لهما على خبر، وانقضى الثلاثاء والأربعاء بعده فجن جنونهما وطاش صوابهما وذهبتا إلى ليفورنو باحثتين عنهما، وعلم ترلوني بحال الزوجتين فأيقن أن صاحبيه هلكا في زورقهما، وأخذ نفسه بالبحث على شاطئ البحر ما بين ليفورنو وكازاماني حتى إذا كان الرابع عشر من أغسطس عثر الغائصون بجثة عبثت الأسماك بوجهها وإن لم تخف معالمه، وألفى ترلوني في جيب الجاكتة كتاب إسكيلوس فلم تبق لديه ريبة في أنها جثة شلي، ثم لم يطل بالغائصين البحث حتى عثروا بجثة وليمز، ودفنهما ترلوني في الرمل ثم ذهب مكتئبا حزينا إلى كازاماني، وحاول أن يدخل فخانته قواه فجعل يدور حول المنزل حتى لمحته خادم، أخبرت سيدتها بالأمر، فما لبثتا أن رأتاه حتى تبدد كل وهم من رجاء بقي عندهما وحتى انهدتا إلى الأرض صعقتين قضى عليهما الترمل والهم.

ولما أفاقتا ذكرت ماري ما كان يرجو زوجها أن يدفن في مقابر الإنجليز بروما، لكن نقل الجثة من بيزا إلى روما غير جائز بحكم قانون البلاد إلا أن تحرق الجثة وتنقل بقية التراب منها، ففي ظهر السادس عشر من شهر أغسطس سنة 1822، وقف لورد بيرون والشاعر لي هنت والبحار ترلوني فوق رمال الشاطئ الإيطالي على مقربة من ليفورنو يحيط بهم عدد من أهل تلك المنطقة، ويقف إلى جانبهم جماعة من الضباط والعساكر الإيطاليين، وكلهم محدق ببصره إلى نار تضطرم قد بوركت بالنبيذ صب عليها وبالملح ألقي فيها ويفوح منها ريح اللحم الإنساني، وكلهم واجم مخلوع القلب ذاهب في تيهاء الهلع والذهول، وظل هذا المنظر المروع أمامهم ثلاث ساعات تباعا يهز نفوسهم هزا فلا يزدادون إزاءه إلا وجوما وذهولا، وتندى عين بعضهم بالدمع ثم تذرفه أن لا تستطيع حبسه، ويحدق ترلوني بالعظام تحترق واللحم تذيبه النار، ثم تبدأ النار بعد ذلك تخبو رويدا رويدا تاركة وراءها حفنة من تراب هي كل ما بقي من رفات قيثارة الشعر الإنجليزي شلي، ويحمل ترلوني الحفنة إلى الأرملة البائسة ماري شلي لتتولى ويتولى هو ولي هنت معها حملها إلى مقابر البروتستانت في روما كي تستقر هناك في أرض غريبة عن ثرى الوطن، ولكن لتسعد مع ذلك باستقرارها إلى جانب رفات عزيزة محبوبة هي رفات ابنه وليم، ويقع هذا المنظر المروع وتنقل تلك الرفات القدسية إلى روما، ولم يكن شلي قد بلغ إلى يوم وفاته في الثامن من أغسطس تمام الثلاثين من عمره، وإن كان قد خلف من شعره على الحياة ما لا يزال فخر الشعر الإنجليزي عذوبة وموسيقى تأخذان بالنفس وتملكان على المرء حسه ولبه، وتبعثان إلى كل ما تنشدانه وترنمان به الحياة والخلد، سواء أكان ما تنشدانه وتترنمان به إنسانا أو طيرا أو حيوانا أو جمادا أو مجرد خيال لا وجود في الحياة له، ذلك بأن الحياة كانت تسري في كل ما لامس نفس شلي لتبقى قائمة به قرونا ودهورا بعد موت باعثها.

Página desconocida