Biografías Egipcias y Occidentales

Muhammad Husayn Haykal d. 1375 AH
65

Biografías Egipcias y Occidentales

تراجم مصرية وغربية

Géneros

وقد طبع تين مباحثه عن الفلاسفة الإنشائيين ونشرها في أوائل سنة 1857، أي في التاسعة والعشرين من عمره، ومع أنه إلى ما قبل ذلك التاريخ قد لقي من رجال الجامعة ومن وزارة المعارف عنتا، فإن رسائله المختلفة التي نشرت لم تثر من النقد إلا ما كتبه أصدقاؤه عن سياحة البرانس وما كتبه الأستاذ الكبير جيزو عن تيت ليف، لكنه ما لبث أن نشر «الفلاسفة الإنشائيون في القرن التاسع عشر» حتى تكلم عنه كثير من كبار نقاد عصره أمثال سانت بيف وشرر ويلانش وغيرهم مما زاد في ذيوع رفعته ككاتب وكمفكر وكفيلسوف مجدد في الطريقة وفي الأسلوب.

ولم يكن عجبا أن ينال هذا الكتاب من كتب تين تلك المكانة، فهو قد قصد به إلى هدم الفلسفة الكلامية التي كان يدرسها ويقررها في ذلك الوقت لارمجييه ومين دبيران والمسيو فكتور كوزان، وكان فكتور كوزان صاحب مقام كبير في ذلك الظرف، وكان القائم بتدريس الفلسفة في كلية فرنسا، وكان درسه مقصد المئات من المستمعين؛ لذلك كانت حملة تين عليه أشد من حملته على صاحبيه، فكان يقول عنه إنه بحاثة غير فيلسوف، وكان يرى في هذه الفلسفة الكلامية أو الإنشائية شذوذا معيبا على قواعد العلم التي تقررت منذ أوائل ذلك القرن، وعودة إلى قواعد قديمة عقيمة تخلط بين طريقة ديكارت التي تبدأ بالشك، والنظريات الألمانية التجريدية الصرفة، وهو قد سلك في هدمه لتلك النظريات مسلكا جمع بين المنطق الدقيق الذي امتاز به وبين التهكم بتلك الطرائق العتيقة البالية من طرق البحث عن الحقيقة تهكما ظهرت فيه مقدرة تين ككاتب إلى جانب تفوقه كمفكر وكفيلسوف، ثم هو قد أيد ما قررته مباحث عصره الحديثة مما جاء به أوجست كومت وداروين وغيرهما من الذين وضعوا قواعد العلم الواقعي وأسس نظريات التطور، ثم هو قد أضاف إلى ذلك نظريته الخاصة بتطبيق هذه القواعد تطبيقا لا هوادة فيه على الإنسان كتطبيقه على غير الإنسان وعلى الجماد، وإذا كانت هذه النظرية قد لقيت في بادئ الأمر شيئا من معارضة الهيئات الجامعية، فإن المباحث العالية التي نشرها تين مشبعة بها والمقام الذي كان يرتفع إليه يوما بعد يوم وعاما بعد عام، جعل نجاح كتابه عن الفلاسفة الإنشائيين نجاحا حاسما ودعا الكثيرين إلى أن يعيدوا النظر فيما يقرره هؤلاء الفلاسفة من قواعد، وجعل ما وجهه كارو وغيره إلى تين وإلى رينان من نقد أساسه رميهم بالإلحاد، لا يلقى من المفكرين والعقلاء وذوي الرأي أي التفات له بأكثر من الإشفاق على كاتبيه والرثاء لحالهم.

وكما جمع مقالاته عن الفلاسفة في كتابه هذا فقد جمع رسائله في النقد وأظهر الجزء الأول من «رسائل في النقد وفي التاريخ» سنة 1858، على أن كتابة هذه الرسائل وجمعها ونشرها لم يشغله عن متابعة بحوث تاريخية في الأدب الإنجليزي شغف بها منذ أيامه الأولى وشغل بها منذ مطالعاته بعد ترك مدرسة المعلمين، ولقد نشر الأجزاء الأولى حتى بيرون في سنة 1861 واستمر يكمل هذا الكتاب الذي يعتبر ككتابه عن (الذكاء) وكتاب (أصول فرنسا الحديثة) أما من أمهات كتب تين وأثرا باقيا من آثار تفكيره، وقد أتم هذا الكتاب ونشره كاملا في سنة 1863 ووضع له المقدمة التي أشرنا من قبل إليها، والتي حلل فيها صلة الإنسان بالبيئة وبالجنس وبالعصر الذي يولد فيه تحليلا انتهى منه إلى أن المرء ثمرة هذه العوامل الثلاثة، وإنك إذا استطعت أن تعرف كل الدقائق المحيطة بهذه العوامل الثلاثة استطعت أن تضع للإنسانية من القوانين الثابتة ما لا سبيل إلى تبديله إلا أن يكون لتبديل سنن الكون العامة سبيل.

والحقيقة أن هذا الكتاب الذي وضعه تين عن آداب اللغة الإنجليزية قد أضاف إلى مجده كفيلسوف وكمؤرخ مجده ككاتب، ولئن كانت رسالته عن «سياحة في جبال البرانس» قد دلت من ذلك على شيء كثير، فإن وصفه للعصور المختلفة التي مرت بها إنجلترا وأثرت في أدبها قد دل على خصب في الخيال لا يقل عما كان لتين من دقة في المنطق، وأنت تقرأ صحف هذا الكتاب المتتالية فتنتقل من تحليل نفساني دقيق لكاتب من الكتاب أو شاعر من الشعراء أو عصر من العصور، إلى وصف جمع بين الدقة المنطقية والخيال الشعري لحياة ذلك الكاتب أو الشاعر ولحياة جماعة أهل ذلك العصر، وهذا التداول بين دقة المنطق وخصب الخيال هو الذي طوع لكثيرين من نقاد تين أن يقولوا عنه إنه منطيق شاعر أو خيالي فيلسوف، وربما وجدت لهذا النقد في بعض كتب تين مسوغا، لكنك تقع دائما على ما يدلك على أن تين كان يشعر تمام الشعور بهذا التداول، وكان يحرص على ألا يجني أحد جانبي نفسه على الجانب الآخر، فما يقع تحت قلمه عبارات تتردد آنا بعد آن يذكر فيها أنه جاوز الحد مضطرا في استعمال المجاز وفي الالتجاء إلى الخيال ويعود بعدها إلى منطقه المحكم وتحليله الدقيق، فيشرح البيئة الطبيعية والعصر ومميزاته والجنس وخصائصه، ويطبق ما يستنتج من ذلك كله على الكتاب والشعراء الذين يحللهم ويرسم بذلك صورة مضبوطة من هذا الأدب الإنجليزي الذي استغرق تاريخه أربعة أجزاء من كتب تين.

وكان تين قد رشح نفسه سنة 1862 ليقوم بتدريس الأدب في مدرسة الهندسة، لكن مسيو دي لموني انتخب بدلا منه، على أن وزير الحربية عينه في مارس في السنة التالية ممتحنا في التاريخ واللغة الألمانية بمدرسة سان سير الحربية، وفي سنة 1864 شغل مقعد تدريس تاريخ الفن والجمال في كلية الفنون الجميلة، فكان تعاقبه في وظائف الدولة سببا لإثارة الخوف في نفس رجال الدين مما دفع المونسنيير لوبانلو ليكتب منشورا يوجه به إلى الشبيبة وإلى الآباء يطعن فيه طعنا جارحا على تين ورينان وليتري ويشهر فيه بنزعاتهم الإلحادية مما كاد يودي بمركز تين لولا تدخل البرنسيس ماتيلدا لحمايته.

وفي سنة 1864 وجه بكتبه إلى الأكاديمية ليحصل على جائزة بوردان، فانبرى له مونسنيير لوبانلو من جديد واشترك معه آخرون ليحولوا بينه وبين الجائزة، على أن مسيو جيزو دافع عنه بكل إخلاص واستمرت المناقشة أمام الأكاديمية فيمن يستحق الجائزة ثلاثة أيام متتالية استقر الرأي بعدها على أن الجائزة لا تمنح لأحد ما دامت لا تمنح لتين، ومن ذلك التاريخ فتر اهتمام تين بالأكاديمية وتعضيدها أو عدم تعضيدها له.

على أن هذه الخصومات المتتابعة وهذا التجني على ذلك الكاتب الفيلسوف الكبير لم يحل دون حصوله على وسام اللجيون دونير في سنة 1866 وعلى شهادة

E.C.L.

من جامعة أكسفورد بعد محاضرات ألقاها بها عن راسين وكورني في سنة 1871.

ومنذ عين تين أستاذا لتاريخ الفن والجمال في كلية الفنون الجميلة اتسع له زمن البحث وميدانه ووجد من الوقت ما يسمح له بالسفر إلى بلاد مختلفة وبخاصة في إيطاليا مهد الفن ومنبت أجمل ما أبدع المثالون والمصورون من آثار.

Página desconocida