Biografías Egipcias y Occidentales
تراجم مصرية وغربية
Géneros
وآنس توفيق نفسه في عزلة بعدما أذعن إلى الاستعانة بشريف الذي كان قد أقصاه عن الحكم يوم طمع في الحكم المطلق على أثر وصول الفرمان بتثبيته في عرشه، وأحسبه هذه المرة كان يود أن تطول عزلته وأن تظل الحكومة عاملة والأمن مستتبا وأن تجري الأشياء في نصابها، فلا تزعجه العسكرية ولا غير العسكرية مرة أخرى، لكنه لم يلبث إلا قليلا حتى علم أن الباب العالي أرسل وفدا برياسة علي نظامي باشا، ترى ما هي مهمة الوفد؟ الخديو لا يعلم، وفرنسا وإنجلترا لا تعلمان، والوزارة العثمانية نفسها لا تعلم، لقد أرسله أمير المؤمنين بإرادة شاهانية، فماذا عسى أن تكون هذه الإرادة؟ ونزل الوفد مصر في 10 أكتوبر سنة 1881 بعدما احتجت إنجلترا وفرنسا على تركيا لإرسالها إياه من غير اتفاق معهما ولا مجرد إخطار لهما، وجاء الوفد واحتفل الخديو به وأقام بمصر سبعة عشر يوما وعاد أدراجه، وكان كل ما فعل أن أكد للخديو ثقة المتبوع الأعظم به، وإن أكد للجيش المصري في حديث دار بين نظامي باشا وطلبة عصمت بمسمع من الجند أن حكومة الباب العالي لا تلوم الجند على ما فعلوا وأنها ترى مصر في طمأنينة وسكينة.
بإزاء تصرف الوفد شعر توفيق كأن الدسائس التي كانت تحاك له خيوطها على ضفاف البسفور بمعرفة حليم باشا تعاونه الأميرات قد آتت ثمراتها، وأنه لولا تأييد إنجلترا وفرنسا إياه لكان معرضا لمثل ما تعرض له أبوه من قبل، ومن يدري؟ فقد يكون حليم باشا قبل أن تسترد تركيا في فرمان توليته ما شاءت أن تسترده من الحقوق المكسوبة لمصر، فليزدد توفيق إذا اعتمادا على فرنسا وعلى إنجلترا، وليخش في نفس الوقت تدخلهما، وليضطرب لذلك بين مختلف العوامل، وليترك وزارته تجاهد وحدها للخلاص من حرج الموقف.
ودعت الوزارة لانتخاب مجلس شورى النواب كي تعرض عليه القانون النظامي لمجلس النواب، وافتتحه توفيق بخطاب عرش ألقي في 26 ديسمبر سنة 1881 ورد عليه سلطان باشا رئيس المجلس، وعرضت الوزارة القانون النظامي، فاختلف المجلس معها في أمر نظر الميزانية، ذلك أن الحكومة كانت ترى احتراما للاتفاقات التي تمت بين الحكومة المصرية والدول الأجنبية أن يكون الأمر الأخير في الميزانية للوزارة مع مراعاة إرادة النواب قدر المستطاع في حدود هذه الاتفاقات، أما النواب فكانوا يريدون أن يكون رأيهم الأخير أو يسار على القاعدة الدستورية من حل المجلس أو سقوط الوزارة، ولم يمكن التوفيق بين الرأيين، فكان ذلك سببا في استقالة وزارة شريف باشا بتاريخ 4 فبراير سنة 1882 وحلول وزارة محمود باشا سامي البارودي محلها مع تعيين عرابي باشا وزيرا للحربية فيها.
وفي أثناء قيام الخلاف بين وزارة شريف باشا ومجلس شورى النواب أرسلت الحكومتان الفرنسية والإنجليزية مذكرة مشتركة إلى الخديو توفيق باشا تؤيدانه فيها في الخديوية وفقا للفرمانات، وتعدان سكينة مصر مما يعنيهما لمصلحة رعاياهما، وتعلنان استعدادهما لدفع ما يطرأ على الحكومة الخديوية من الأخطار، وكان منتظرا أن تحدث هذه المذكرة من الأثر ما يضعف تمرد المتمردين، على أن تركيا احتجت على الدولتين لتخطيهما إياها ومخاطبتهما الخديو مباشرة، كما علم العرابيون أن إنجلترا أبلغت فرنسا أنها برغم هذه المذكرة تعتبر نفسها حرة في الخطة التي تتخذها تنفيذا لمقاصدها، وقوى ذلك من ساعدهم وجعلهم أقل اكتراثا للحوادث وتقديرا لنتائجها، والواقع أن فكرة الثورة التي بدأها الجيش كانت قد انتشرت في أنحاء البلاد جميعا وأن قمع تيار هذه الروح كان قد أصبح متعذرا، وبخاصة مع وجود رئيس للدولة ضعيف ضعف توفيق.
واستمر مجلس النواب ينعقد إلى 26 مارس سنة 1882 حين صدر الأمر بانفضاض دوره العادي.
وفي أعقاب انفضاض المجلس نظر عرابي إلى ما حوله موجسا خيفة مما يدبر خصومه له، ولم تك إلا أيام حتى صدرت أوامر الحكومة بالقبض على عشرات الجراكسة ومن بينهم عثمان باشا رفقي بتهمة ائتمارهم به وبزملائه وبالنظام الذي أقاموه، ومحاكمتهم أمام مجلس حربي والحكم عليهم بالنفي إلى أقاصي السودان، وكان عرابي ومن معه مقتنعين بأن الخديو هو المحرض على هذه المؤامرة، وزادهم اقتناعا رفض الخديو التصديق على حكم المجلس الحربي، وعلى ذلك استعر الخلاف بين الخديو والوزارة، يصر الوزراء على تنفيذ حكم المجلس ويعترضه رئيس الدولة، وأدى ذلك إلى تخوف فرنسا وإنجلترا على الرعايا الأجانب في مصر، فقرروا إرسال بوارج إلى المياه المصرية للمحافظة على حياتهم ومصالحهم، وأعلنت فرنسا وإنجلترا جميعا حرصهما على تأييد الخديو في مركزه، وفي ذلك إشارة إلى ما كانتا تتوقعانه من وصول عرابي وأصحابه إلى استصدار قرار من النواب بعزله.
ولما اشتد الخلاف بين الوزارة والخديو دعت الوزارة الهيئة النيابية للاجتماع وتوسط سلطان باشا رئيس المجلس وجماعة من كبار النواب معه يريدون الوصول إلى حل لهذا الخلاف، وكان من الحلول التي قبلها الخديو أن يقال سامي البارودي من رياسة الوزارة وأن يحل محله مصطفى باشا فهمي، لكن مصطفى باشا أبى، وبينما المحادثات دائرة بين النواب والخديو والوزارة كانت البوارج الإنجليزية والفرنسية قد وصلت إلى المياه المصرية، وأعقبتها الدولتان ببلاغ وجهه قنصلاهما في 25 مايو إلى الخديو يطلبان فيه سقوط الوزارة بتمامها، وخروج عرابي من القطر المصري مع ضمان الدولتين رتبه ومرتباته ونياشينه، وإقامة علي فهمي وعبد العال حلمي في الأرياف وإصدار الخديو بعد ذلك عفوا عاما عن جميع من كانت لهم يد في المسألة.
وأبلغ الخديو وزراءه هذا الإنذار، فرفضوه بحجة أن ليس للدول شأن في مخابرة مصر إلا عن طريق الأستانة، على أن الخديو أظهر رضاه عن الإنذار، فاستقالت الوزارة محتجة وقبل الخديو استقالتها، ودعا شريف باشا لتشكيل وزارة جديدة، لكن شريف باشا رأى الموقف لا يطاق فاعتذر كما اعتذر عمر باشا لطفي، وفي هذه الأثناء أوفد الباب العالي درويش باشا معتمدا سلطانيا لينظر في الخلاف بين الخديو ووزرائه بل العرابيين جميعا، فإن هؤلاء كانوا قد انتهوا إلى ضرورة خلع الخديو وتولية البرنس حليم مكانه، وكانوا يطمعون في نجاح هذه السياسة لعلمهم أن تركيا تؤيدها.
وفي انتظار حل المشاكل وتعيين وزارة جديدة وطنية تفاقم الخطب واضطرب حبل الأمن، فاضطر الخديو إلى أن يعين عرابي وحده ناظرا للحربية ليتولى أمر الأمن في البلاد.
ولم يشر الخديو من جانب المعتمد السلطاني بما يدل على استعداد تركيا إذا اقتضت الحال للتدخل المسلح ولتأييده في مركزه برغم العرابيين؛ لذلك قبل الموقف كما هو وعين وزارة إسماعيل راغب باشا على أن يظل عرابي وزيرا للحربية، وظل توفيق ووزراؤه في العاصمة، وظلت أساطيل الدول في مياه الإسكندرية، وظل الناس يتحدثون فيما يمكن أن تؤول إليه الأمور في زمن قريب، وكان أعجب المواقف يومئذ موقف تركيا، فقد اقترحت إنجلترا وفرنسا أن ينعقد بالأستانة مؤتمر دولي للنظر في حالة مصر وإقرارها على صورة من الصور، لكن تركيا رفضت رفضا باتا بدعوى أن الحالة في مصر عادية وأن النظام القائم لا خوف عليه، وفيما الحديث بين الدول في أمر المؤتمر وانعقاده دائر وقعت فتنة الإسكندرية في 11 يونيو سنة 1882.
Página desconocida