Biografías de celebridades del Oriente en el siglo XIX (Primera parte)
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Géneros
وفي عام 1863 توفي المغفور له سعيد باشا فأفضت ولاية مصر إلى إسماعيل باشا، وهو خامس ولاتها من السلالة المحمدية العلوية، فأخذ منذ تبوئه الأحكام في رفع شأن هذه الديار وإعادة رونقها الذي كان لها في عهد محمد علي باشا، فأطلق يده في النفقة لتنظيم الشوارع، وتشييد الأبنية، وإنشاء المشروعات النافعة على أنواعها مما سيأتي تفصيله، غير مبال بما قد يجر إليه ذلك من الضيق.
وكانت ولاية مصر تنتقل في العائلة الخديوية إلى من يختاره جلالة السلطان بقطع النظر عن علاقته بالوالي السابق، وكان ولاة مصر يلقبون بالعزيز أو الوالي أو الباشا، وإذا لقبوا أحيانا بالخديوي فإنما ذلك يكون على سبيل التجميل والتفخيم . أما إسماعيل باشا فهو أول من نال رتبة الخديوية ولقب الخديوي، فأصبحت ولاية مصر إرثا صريحا في نسله ينتقل منه إلى أكبر أولاده ومنه إلى أكبر أولاده وهكذا على التعاقب، وهاك أهم نصوص الفرمان المؤذن بذلك، الصادر في 12 جمادي الأولى سنة 1290ه الموافق 8 يوليو عام 1873.
إن كيفية وراثة الحكومة المصرية المقررة في فرماننا الصادر ثاني ربيع الآخر عام 1285ه قد غيرت على وجه أن تنتقل الخديوية من متبوئ كرسيها إلى بكر أبنائه، ومن هذا إلى بكر أبنائه أيضا، وهلم جرا، علما بأن ذلك أدنى إلى المصلحة وأشد ملاءمة لأحوال البلاد المصرية، واختصاصا لك بانعطافي الذي صرت له أهلا بحسن سعيك واستقامتك واجتهادك وأمانتك، وإثباتا لذلك أجعل قانون الوراثة لخديوية مصر ومتعلقاتها وما يتبعها من البلاد وقائمقامية سواكن ومصوع وتوابعهما كما تقدم بيانه، بحيث تكون الولاية لبكر أبنائه من بعده. فإذا لم يرزق من تولى الخديوية ولدا ذكرا كانت الولاية من بعده لأكبر إخوته أو لأكبر بني أخيه الأكبر كما تقرر، ولا تكون هذه الوراثة لأبناء البنات. ولأجل تأييد هذه الأحكام ينبغي أن تكون الوصاية في حال كون الوارث قاصرا على الصورة الآتية وهي:
إذا توفي الخديوي وكان كبير ولده قاصرا؛ أي غير بالغ من العمر ثماني عشرة سنة يكون هذا القاصر بالحقيقة خديويا بحق الوراثة فيصدر إليه فرمانا بوجه السرعة، وإذا كان الخديوي المتوفى قد نظم قبل وفاته أسلوبا للوصاية وعين كفيتها وفحوى إدارتها بصك مثبت بشاهدة اثنين من رؤساء حكومته فأولئك الأوصياء يقبضون إذ ذاك أزمة الأعمال عقب وفاة الخديوي، ثم ينهون بذلك إلى الباب العالي ليثبتهم في مناصبهم، ولكن إذا توفي الخديوي بغير وصية وكان ابنه قاصرا فمجلس الوصاية عند ذلك يؤلف من متولي إدارة الداخلية والحربية والمالية والخارجية والحقانية وقائد العسكر ومفتش المديريات، فيجتمع هؤلاء الذوات وينتخبون للخديوي وصيا بإجماع الرأي أو بأغلبيته، فإذا تساوت الآراء لاثنين من المنتخبين كانت الوصاية لأرفعهما رتبة باعتبار الترتيب السابق من الداخلية فما بعدها، ويشكل مجلس الوصايا من الباقين فيباشرون جميعا أمور الخديوية ويعرضون ذلك لسلطتها السنية ليصدق عليه بالفرمان الشريف، وكما أنه لا يجوز تبديل الوصي وتغيير هيئة الوصايا قبل انتهاء مدتها في الصورة الأولى أي فيما إذا كان تنظيمها بحكم وصية الخديوي المتوفى فكذلك لا تغير في الصورة الثانية، وأما إذا توفي الوصي أو أحد أعضاء مجلس الوصاية في خلال تلك المدة فينتخب بدل الأول أحد أعضاء المجلس وبدل الثاني أحد ذوات المملكة وبمجرد بلوغ الخديوي القاصر ثماني عشرة سنة يكون راشدا فيباشر إدارة أمور الخديوية، وذلك مما تقرر لدينا واقتضته إرادتنا السلطانية.
ولما كان تزايد عمارة الخديوية المصرية وسعادة حالها ورفاهة سكانها من أهم الأمور لدينا، وكانت إدارة المملكة المالية ومنافعها المادية المتوقف عليها تكامل وسائل الراحة وتوفر أسباب السعادة عائدة على الحكومة المصرية، رأينا أن نذكر كيفية تعديل الامتيازات وتوضيحها على شرط بقاء جميع الامتيازات الممنوحة سابقا للحكومة المصرية، وذلك أنه لما كانت إدارة المملكة الملكية والمالية بجميع فروعها وأحوالها ومنافعها عائدة بالحصر على الحكومة ومتعلقة بها وكان من المعلوم أن إدارة أي مملكة وحسن انتظامها وتزايد عمرانها وسعادة سكانها مما لا يتم إلا بالتوفيق والتطبيق بين الإدارة العمومية والأحوال والمواقع وأمزجة السكان وطبائعهم، فقد منحناكم الرخصة المطلقة في وضع القوانين والنظامات الداخلية حسب الحاجة واللزوم. ولأجل تسهيل تسوية المعاملات سواء كانت من قبل الرعية أو من قبل الحكومة مع الأجانب ولتوسيع نطاق الصنائع والحرف وتوفير أسباب التجارة منحناكم أيضا الرخصة التامة في عقد المشاركات وتجديد المقاولات مع مأموري الدول الأجنبية في أمور المملكة الداخلية وغيرها، على شرط أن لا يكون ذلك موجبا للإخلال بمعاهدات الدولة السياسية.
ولكون خديوي مصر حائزا لحق التصرف المطلق في الأمور المالية قد أعطيت له الرخصة في عقد القروض من الخارج بغير استئذان عندما يجد لذلك لزوما، على شرط أن يكون القرض باسم الحكومة المصرية، وبما أن أمر المحافظة على المملكة وصيانتها من الطوارق (وهو أهم الأمور وأحوجها إلى العناية) من أقدم الوظائف المختصة بخديوي مصر قد منحناه الإذن المطلق بتدارك أسباب المحافظة وتنسيبها على مقتضى ضرورات الزمان والحال، وبتكثير أو تقليل عدد العساكر المصرية الشاهانية على حسب اللزوم بغير تقييد ولا تحديد، وأبقينا كذلك لخديوي مصر امتيازه القديم بمنح الرتب العسكرية إلى رتبة ميرالاي والملكية إلى الرتبة الثانية على شرط أن تكون المسكوكات المضروبة في مصر باسمنا الشاهاني وتكون أعلام العساكر البرية والبحرية في القطر المصري كأعلام عساكرنا السلطانية بلا فرق أو تمييز، ولا يجوز لخديوي مصر أن ينشئ البوارج المدرعة بغير استئذان، أما سائر السفن والبوارج ففي استطاعته أن ينشئها متى شاء. انتهى.
وقد امتاز إسماعيل باشا عن سائر ولاة مصر قبله أنه حبب سكنى الديار المصرية إلى الأجانب من جالية أوروبا وأميركا وغيرهما بما مهده من وسائل الراحة والطمأنينة مع الأخذ بناصرهم وتأييد مشروعاتهم وتنشيطهم وتوسيع نطاق التجارة، فتقاطروا إليها أفواجا، وأقاموا فيها على الرحب والسعة؛ لما آنسوه من الكسب الحسن والعيش السهل.
وفي عام 1869 احتفل إسماعيل باشا بافتتاح ترعة السويس، وكان قد بوشر بحفرها على عهد سعيد باشا فحضر ذلك الاحتفال جميع ملوك أوروبا أو من يقوم مقامهم، وكان له رنة بلغ صداها أربعة أقطار المسكونة؛ لما أعده فيه إسماعيل من وسائل الزينة مما قد تقصر عنه همم الملوك العظام، وفي جملة ذلك أنه بنى الأوبرا الخديوية بالقاهرة لتكون مرسحا يشاهد فيه ضيوفه صنوف التمثيل، وكانت المدة غير كافية لتشييد ذلك البناء فبذل الدراهم والدنانير فلم تمض خمسة أشهر حتى تم البناء وسائر معدات التمثيل على ما نشاهده الآن، وهو من المراسح التي لا مثيل لها إلا في عواصم أوروبا العظمى، ومما اختص به صاحب الترجمة من الشرف العظيم دون سواه من الولاة أن ساكن الجنان السلطان عبد العزيز حلت ركابه في القطر المصري في السنة الأولى من ولاية إسماعيل فلاقى ترحابا عظيما.
وفي عام 1872 تعدى الحبشة على حدود مصر مما يلي بلادهم، وأسروا بعضا من رعايا مصر فبعثت الحكومة المصرية تطلب ردهم، فجرت المخابرات فآل ذلك إلى حرب جرد فيها إسماعيل حملة لم تنل غرضا فانتهت الحرب بالصلح، وفي عام 1873 شخص رحمه الله إلى دار السعادة فاحتفل بقدومه، فعاد وقد حاز رضا الحضرة الشاهانية ورجال المابين الهمايوني، وفي تلك السنة احتفل بزواج أنجاله الثلاثة وهم: المغفور لهما توفيق باشا الخديوي السابق، والبرنس حسن باشا، ودولتلو البرنس حسين باشا احتفالا واحدا تحدث به الناس زمنا طويلا، ومما زاد ذلك الاحتفال بهجة أنهم نالوا عندئذ رتبة الوزارة الرفيعة معا.
ولنأت الآن إلى أمر هو أهم الأمور المتعلقة بصاحب الترجمة وعليها مدار ما آل إليه أمره؛ نريد به أمر الديون التي تعاظمت على مصر في أيامه، وإيضاحا لذلك نذكر ملخص تاريخ الدين المصري، فأول من وضع جرثومة الدين المصري المغفور له سعيد باشا عام 1862 وقدره الاسمي 3292800 جنيه بفائدة 7 بالمائة، وفي السنة التالية تولى صاحب الترجمة تخت الحكومة المصرية فأخذ في البذل والنفقات في التشييد والبناء وغير ذلك حتى زادت النفقات على الدخل، فكان إذا أراد عملا جنح إلى الاستقراض لا يبالي بعاقبة ذلك، حتى بلغت ديون مصر نحو مائة مليون جنيه، وأصبحت حملا ثقيلا على الخزينة المصرية وعلى أهالي البلاد؛ لأنه كان يضرب الضرائب الفادحة ليفي منها بفائدة تلك الديون، ويستخدم العنف في تحصيلها من الأهالي حتى آل الأمر إلى مداخلة الدول الأجنبية للمحافظة على أموال رعاياها أصحاب الديون.
Página desconocida