Biografías de celebridades del Oriente en el siglo XIX (Primera parte)
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Géneros
والشيخ محمد عبده زعيم نهضة إصلاحية لا خوف منها على الدماء أو الأرواح، وأكثر نهضات الأمم في سبيل إصلاحها لا تخلو من إهراق الدماء، فهو رجل عظيم يجدر بالمسلمين أن يبكوه، وأن يقتفوا آثاره في التوفيق بين الإسلام والمدنية الحاضرة، وتنقيته مما ألم به بتوالي الأزمان، وذلك ميسور لمن أطلق فكره من قيود التقليد، واسترشد بما يهديه إليه العقل الصحيح بالإسناد إلى العلم الصحيح. على أننا نرجو أن لا تعدم هذه النهضة من يخلف الإمام الفقيد في الانتصار لها والعمل بها، والله على كل شيء قدير.
الفصل الثامن والثلاثون
مصطفى باشا كامل
(1) مصطفى كامل والنهضة السياسية
شكل 38-1: مصطفي كامل صاحب اللواء (ولد سنة 1874 وتوفي سنة 1908).
شاهد المصريون في 10 فبراير سنة 1908 ما لم يشاهدوا مثله من قبل. شاهدوا حزنا على مصطفى باشا صاحب اللواء، عم القطر المصري من أقصاه إلى أقصاه، وانتشر في سائر العالم الإسلامي، وسمع دويه في أوروبا والشرق الأقصى مما لم يسمع بمثله في وادي النيل. توفي صاحب اللواء في أصل ذلك اليوم ودفن في أصيل اليوم التالي، فمشي في جنازته عشرات الألوف، واشترك في المصاب أهل القطر على اختلاف طبقاتهم وأعمارهم. فرثاه الشعراء، وأبنه الخطباء، وبكته الصحف، وقضت أياما في نشر ما يرد عليها من رسائل التعزية نثرا ونظما، وأقيمت له المآتم في أنحاء القطر، فلم يبق جمعية خيرية أو أدبية أو ناد علمي أو مدرسة وطنية للذكور أو الإناث في القاهرة والإسكندرية أو في الأرياف إلا عقدت جلسة لتأبين ذلك الفقيد، حتى الجمعية الماسونية فقد احتفل بعض محافلها بتأبينه، وبعضهم أقام حفلات تأبين في الأزبكية غير ما بعثوا به من تلغرافات التعزية إلى إدارة اللواء من الأفراد والجماعات، كالجمعيات والمشيخات والمدارس، وتبرع كثيرون عن نفسه للجمعيات الخيرية ونحوها، وغير ما جاء من رسائل التعزية من إنكلترا وفرنسا وغيرهما ومن أطراف الهند، ونشرت التلغرافات العمومية والصحف الإفرنجية نعيه، وتكلمت عنه، وتألفت في القاهرة لجنة لإقامة تمثال يحيا به ذكره، والناس يبذلون المال في هذا السبيل، وعينوا يوم 20 مارس التالي للاحتفال بتأبينه بجانب ضريحه بقرافة الإمام، فمن كان هذا وقع مصابه في النفوس جدير بأن ننظر ترجمة حاله، وندرس أخلاقه وأعماله، ونبين منزلته من التاريخ، ونقدم الكلام بفذلكة في تاريخ النهضة السياسية المصرية فنقول: (1-1) النهضة السياسية المصرية
فتح العرب مصر في صدر الإسلام، فأصبح النفوذ فيها للفاتحين وأعظم مناصب الدولة في أيديهم، فتغلب العنصر العربي على سائر العناصر، ثم دخلت في حوزة الأكراد (الأيوبيين)، فالشراكسة (المماليك)، فالأتراك (العثمانيين)، فكان النفوذ ينتقل من أمة إلى أخرى حسب أدوار حكمها، على أن العنصر الشركسي ظل متسلطا في أثناء حكم الدولة العلية بمصر؛ لأنها ولتهم الأحكام تحت رعايتها، ومنهم أمراء المماليك والسناجق وبعض الجند، فأصبح العنصر العربي وهم المصريون الوطنيون أضعف سائر العناصر.
فقضى المصريون أجيالا راضين بما قسم لهم، وكان الجهل ضاربا أطنابه فيهم لاشتغال حكامهم بالحروب والخصومة عن ترقية شأن رعاياهم، حتى أذن الله أن يتولى حكومتهم المغفور له محمد علي باشا الكبير، فاقتضت سياسته ومقاصده إحياء معالم اللغة العربية، فأنشأ المدارس وفتح المعامل وسهل دخول الأجانب إلى هذه البلاد، وأرسل بعض شبانها إلى أوروبا لتلقي العلوم واقتباس حسنات التمدن الحديث. فاستنارت أذهان المصريين وفتحوا أعينهم، ففقهوا لما ضاع من حقوقهم، ولكنهم لم يطالبوا به لضغط حكامهم على أفكارهم بقوة الاستمرار؛ إذ لا يتأتى لهم أن ينتقلوا بغتة من الضغط الشديد تحت الأمراء المماليك إلى الحرية التامة تحت حكومة العائلة المحمدية العلوية، فتوالى على حكومة مصر محمد علي، فإبراهيم، فعباس، والمصريون ساكتون، فلما أفضت الولاية إلى سعيد باشا سنة 1854 طلع على المصريين فجر الوطنية؛ لأنه كان يعد نفسه مصريا، فأخذ يبث روح الوطنية في جنده إذ لم يكن للعامة ساعد يرجى ولا سطوة تخشى، وجاهر بوطنيته في حفلة اختتان نجله طوسون بحضور العائلة الخديوية وضباط الجيش وجماعة من الأجانب، فوقف وارتجل خطبة، قال فيها: «إن من أمعن النظر في تاريخ بلادنا هذه، وتوالي حوادثها المحزنة لا يسعه إلا الأسف والتعجب؛ حيث تتوالى الأمم الأجنبية على أهلها، ويظلمون سكانها؛ كالكلدانيين والفرس قبل الإسلام والترك والأكراد والشركس وغيرهم بعد الإسلام، وكلهم يفسدون ولا يصلحون، وقد عزمت على تثقيف أبناء البلاد وتهذيبهم وترقيتهم؛ حتى تكون حكومة البلاد بأيديهم بصفة كوني مصريا منهم، وبالله الاستعانة.»
فكان لقوله وقع شديد على السامعين، وفيهم أحمد عرابي باشا، وهو يومئذ صاغقول أغاسي، وكان جريئا فازداد جرأة واتسعت مطامعه، وانبثت روح الوطنية في سائر الضباط، وارتقوا في رتب الجندية وأكثرهم غير متعلمين، وإنما رقاهم سعيد باشا تنشيطا للوطنية، فشق ذلك على الضباط الشراكسة والأتراك، وأوغرت صدورهم على الوطنيين، ووجدوا على سعيد باشا فأحس بجفائهم وتذمرهم فلم يبال، وربما ذكر ذلك للوطنيين تحريضا لهم على الثبات.
النهضة العسكرية
Página desconocida