سلمنا الأمر كما ظنوا وأنه لم يُكَمِّل القرآن سوى أربعة فقط، فقد حفظ جميع أحزابه خلائق لا يحصرون، ولا من شرط كونه متواترًا أن يحفظ الكل، بل الشيء الكثير إذا روي جزءًا منه خلق كثير عُلِم ضرورة، وحصل متواترًا، ولو أن قصيدة رَوى كلَّ بيتٍ منها مائةُ رجل مثلًا، ولم يحفظوا غيره من أبياتها لجعلت كُلها متواترة. فهذا الجواب عن قدحهم. وأما الجواب عن سؤال من سأل من الإِسلامين عن وجه الحديث، فهو أن يقال له: قد عُلِمَ ضرورة من تدين الصحابة ومبادرتهم إلى الطاعات، والقَرَب التي هي أدنى منزلة من حفظ القرآن. ما يعلم منه مع كثرتهم استحالة أن لا يحفظه منهم إلا أربعة، كيف ونحن نرى أهل عصرنا يحفظه منهم ألوف لا تحصى مع نقص رغبتهم في الخير عن رغبة الصحابة، فكيف بهم على جلالة قدرهم؟! وهذا معلوم بالعادة.
ووجه ثانٍ وهو أنَّا نعلم أن القرآن كان عندهم من البلاغة حيث هو.
وكان كفار الجاهلية يعجبون من بلاغته ويحارون فيها، فتارة ينسبونه إلى السحر، وتارة ينسبونه إلى أساطير الأولين، ونحن نعلم من عادة العرب شدّة حرصها على الكلام البليغ، وتحب كما له، ولم يكن لها شغل سوى ذلك فلو لم يكن للصحابة باعث على حفظ القرآن سوى ما ذكرناه لكان من أدل الدلائل على أن هذا الحديث ليس على ظاهره وأنه متأول.
وطريق آخر وهو ما ثبت في الأخبار بنقل الثقات من كثرة من حفظ القرآن جزم أن النبي ﷺ بلَّغه أصحابه. وقد عددنا من حفظ ذلك منهم، وسمينا نحو خمسة عشر صاحبًا ممن نُقِلَ عنه حفظ جميع القرآن في كتابنا المترجم بـ " الواضح في قطع لسان النابح " وهو كتاب تقصينا فيه كلام رجل وصف نفسه بأنه كان من علماء المسلمين ثم ارتد، وأخذ يلفق
1 / 215