البديعية، التي منها انتقال السامع من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي، فإنه إذا قيل رأيت أسدا يرمي، فعند إطلاق الأسد ينتقل السامع إلى الحيوان المفترس، فإذا ذكر لفظ يرمى ينتقل إلى الرجل الشجاع، ولا ريب أن هذه الفائدة ممتنعة الوجود فيما فرضه - قدس سره - إذ لا شبهة أن اللفظ المشترك إذا أطلق بلا قرينة فهو مجمل، لا ينتقل السامع منه إلى معنى، فإذا اقترن بالقرينة المعينة فيظهر للسامع أن المراد منه ذلك المعنى، لا أنه ينتقل من شيئين إلى هذا المعنى، ويدل على ما ذكرنا أيضا أنهم اعتبروا في المجاز اقترانه بالقرينة الصارفة، ولا ريب أنه لا يمكن الإتيان بها فيما نحن فيه، إذ لا يتحقق وصف الصارفية إلا بعد ظهور اللفظ في معناه الحقيقي.
المقام الثاني في أقسامهما، فنقول: إنهما ينقسمان بملاحظة الواضع إلى الحقيقة اللغوية، والمجاز كذلك، وإلى العرفية كذلك، عاما، وخاصا، وبملاحظة كثرة استعمال اللفظ في الموضوع له، أو في غيره إلى الراجحين، أو المرجوحين، وهكذا إلى سائر التقسيمات الملحوظة على حسب الاعتبارات التي ليس التعرض لذكرها بمهم.
وإنما المهم التعرض لحال الكناية، وتحقيق أنها من أقسام الحقيقة، والمجاز، أو واسطة.
ويقع الكلام هنا في مقامات ثلاثة:
الأول في تعريفها، إنها على القول بكونها من أقسام الحقيقة، فهي الكلمة المستعملة فيما وضعت له في وضع أول، أو في اصطلاح يقع به التخاطب، أو من حيث إنه ما وضعت له - على اختلاف التعاريف للحقيقة - للانتقال منه إلى لازمه، وعلى القول بكونها من أقسام المجاز فهي مندرجة في تعريف المجاز، حسب ما عرفوه على اختلاف تعاريفه قبال تعاريف الحقيقة.
وأما على القول بكونها واسطة، كما يظهر من متن المطول، فهي على ما عرفه الماتن: هي اللفظ المراد منه معناه وغير معناه معا، فإنه قال: اللفظ إن أريد منه معناه وحده فهو الحقيقة، وإن أريد منه غير معناه وحده فهو المجاز، وإن أريد منه معناه وغير معناه فهو الكناية.
ثم إن خير الأقوال أوسطها، لما سيظهر لك من ضعف طرفيها، فنقول: إنه يرد على الماتن المذكور وجوه:
الأول ما ترى فيه بين تعريفه للكناية وبين تقسيمه إياها إلى قسمين:
Página 13