بَلْ رُبَّمَا يَبْكِي الْمُحِبُّ فِي حَالَةِ الْقُرْبِ مَخَافَةَ الِافْتِرَاقِ كَمَا يَبْكِي حَالَةَ الْبُعْدِ مِنْ شِدَّةِ الِاشْتِيَاقِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ
وَمَا فِي الدَّهْرِ أَشْقَى مِنْ مُحِبٍّ ... وَإِنْ وَجَدَ الْهَوَى حُلْوَ الْمَذَاقِ
تَرَاهُ بَاكِيًا أَبَدًا حَزِينًا ... لِخَوْفِ تَفَرُّقٍ أَوْ لِاشْتِيَاقِ
فَيَبْكِي إنْ نَأَوْا شَوْقًا إلَيْهِمْ ... وَيَبْكِي إنْ دَنَوْا خَوْفَ الْفِرَاقِ
ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ وَجْهُ هَذَا التَّشْبِيهِ وَحُسْنُ مَا فِيهِ.
وَقَدْ سَأَلْتُ الْمُصَنِّفَ ﵀ عَنْ اسْمِ صَاحِبِ هَذَا الْبَيْتِ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَحْضُرُهُ، وَقْتَئِذٍ، وَأَنَّ الْبَيْتَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ نُورِ الطَّرَفِ وَنُورُ الظَّرْفِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ خَتَمَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَادِحَةِ لِلنَّبِيِّ ﷺ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ثَانِيًا عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ لِمَا عِنْدَهُ مِنْ الشَّغَفِ بِذَلِكَ، وَيَحِقُّ لَهُ ذَلِكَ وَلِيُقْرِنَهَا بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ كَمَا اقْتَرَنَا فِي الْأَمْرِ بِهِمَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَيَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ مَا قِيلَ مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِهَا عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صَحِيحًا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِنَا حَلْبَةُ الْمُجَلِّي وَلِيُقَرِّبَ أَتْبَاعَ الْآلِ وَالصَّحْبِ لَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُمْ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ مَا لَيْسَ لِسَائِرِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَى الْأُمَّةِ بِوَاسِطَتِهِمْ مِنْ الْخَيْرَاتِ، وَأَسْبَابِ الْبَرَكَاتِ وَلَا سِيَّمَا مِنْ تَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمُكَلَّفَيْنِ مَا لَمْ يَصِلْ مِثْلُهُ إلَيْهِمْ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ اللَّاحِقِينَ فَقَالَ (ﷺ وَعَلَى آلِهِ الْكِرَامِ، وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ هُمْ مَصَابِيحُ الظَّلَّامِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا) .
عَلَى أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ فِي الْأَوْسَطِ، وَأَبَا الشَّيْخِ فِي الثَّوَابِ وَغَيْرَهُمَا رَوَوْا بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «مِنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ»، وَفِي لَفْظٍ لِبَعْضِهِمْ مَنْ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ ﷺ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا دَامَ فِي كِتَابِهِ، وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يُغْتَنَمُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الضَّعْفُ الْمَذْكُورُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَحَادِيثِ الْفَضَائِلِ وَلَمْ يُضَعَّفْ بِالْوَضْعِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي أَصْلِ الْآلِ فَسِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيُّونَ أَهْلُ فَأُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ أَلِفًا وَالْكِسَائِيُّ وَيُونُسُ وَغَيْرُهُمَا أَوَّلُ فَقُلِّبَتْ الْوَاوُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلِهَا كَمَا فِي قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ هَذَا الِانْقِلَابَ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ حَتَّى صَارَ مِنْ أَشْهَرِ قَوَاعِدِ التَّصْرِيفِ وَالِاشْتِقَاقِ بِخِلَافِ انْقِلَابِ الْهَاءِ هَمْزَةً حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو شَامَةَ: إنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوًى، وَحُكْمُهُ الْعَرَبُ تَأْبَاهُ إذْ كَيْفَ يُبْدَلُ مِنْ الْحَرْفِ السَّهْلِ وَهُوَ الْهَاءُ حَرْفٌ مُسْتَثْقَلٌ وَهُوَ الْهَمْزَةُ الَّتِي عَادَتُهُمْ الْفِرَارُ مِنْهَا حَذْفًا وَإِبْدَالًا وَتَسْهِيلًا مَعَ أَنَّهُمْ إذَا أَبْدَلُوا الْهَاءَ هَمْزَةً فِي هَذَا الْمَكَانِ فَهِيَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِيهِ بَلْ يَجِبُ قَلْبُهَا أَلِفًا فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى اعْتِقَادِ هَذَا التَّكْثِيرِ مِنْ التَّغْيِيرِ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا يُشْكِلُ بِمَاءٍ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى إبْدَالِ الْهَاءِ فِيهِ هَمْزَةً لِيَقْوَى عَلَى الْإِعْرَابِ.
وَأَمَّا أَرَقْت فَالْهَاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنْ الْهَمْزَةِ لَا بِالْعَكْسِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِاخْتِلَافِهِمَا اسْتِعْمَالًا مَعَ عَدَمِ الْمُوجِبِ لِذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنَّ الْآلُ لَمْ يُسْمَعْ إلَّا مُضَافًا إلَى مُعَظَّمٍ ذِي عِلْمٍ عُلِمَ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعًا، وَمَآلًا بِخِلَافِ الْأَهْلِ فَإِنَّهُ يُضَافُ إلَى مُعَظَّمٍ وَغَيْرِ مُعَظَّمٍ ذِي عِلْمٍ وَغَيْرِ ذِي عِلْمٍ عَلَمًا وَنَكِرَةً، وَمِنْ ثَمَّةَ يُقَالُ آلُ مُحَمَّدٍ وَآلُ إبْرَاهِيمَ وَلَا يُقَالُ آلُ ضَعِيفٍ وَلَا آلُ الدَّارِ وَيُقَالُ أَهْلُ ضَعِيفٍ، وَأَهْلُ الدَّارِ، وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي الِاسْتِغَاثَةِ بِاَللَّهِ عَلَى أَصْحَابِ الْفِيلِ
وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِي ... بِ وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَك
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ كَمَا فِي ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [المائدة: ١١٦] .
وَالْأَصْلُ فِي الِاسْمَيْنِ إذَا اتَّحَدَا أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الِاسْتِعْمَالِ إلَّا لِمُوجِبٍ وَلَا مُوجِبَ هُنَا فِيمَا يَظْهَرُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ: إنَّ أَصْلَهُ أَهْلٌ مِنْ أَنَّهُ سُمِعَ فِي تَصْغِيرِهِ أُهَيْلٌ لَا أُوَيْلٌ، وَالتَّصْغِيرُ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا، وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مُصَغَّرًا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّمَا سُمِعَ فِي نَحْو يَا أُهَيْلَ الْحِمَى يَا أُهَيْلَ النَّقَى، وَقَدْ عَرَفْت مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَالُ آلُ الدَّارِ بَلْ يُقَالُ أَهْلُهَا أَنَّهُ لَا يُقَالُ آلُ الْحِمَى وَالنَّقَى بَلْ أَهْلُهُمَا فَأُهَيْلُ الْحِمَى وَالنَّقَى تَصْغِيرُ أَهْلٍ حِينَئِذٍ لَا آلٍ وَكَأَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِذَوِي الْخَطَرِ مِنْ ذَوِي الْعِلْمِ الْأَعْلَامِ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ.
وَيَبْقَى بَعْدَ هَذَا
1 / 10