فانتفض الولد وصرخ قائلا: الأب يوسف قديس عظيم يستحق السماء!
عند هذا غرق الشعب في بحر من الهذيان، وتراموا على قدمي القديس الكاهن، وأخذوا يقبلونهما، ويحاولون أن ينزعوا عنه سبحته وجبته.
في تلك الدقيقة أجهش أحد الرجال بالبكاء، وصرخ قائلا: إنه لقديس عظيم! إنه لقديس عظيم!
إذ ذاك حول القديس نظره إلى المنزل المحزون، وقد ارتسمت الآلام على قسمات وجهه، ثم أشرقت أسرته بنور جميل، وقال ناظرا إلى السماء: يجب أن تظهر اليوم عظمة الله يا إخوتي الأعزاء، فالله قد منح إيمانكم جزاء يستحقه، هيوا بي الآن! ...
عند هذا فتحت الأم الثاكلة باب منزلها، فدخل القديس يتبعه الشعب الغفير، فأبصر جثة باردة ممددة على فراش طويل، وبالقرب من الفراش تابوت ينتظر فريسته! فنزع الأب يوسف صليبه وقربه من شفتي الأم فقبلته، ثم انطرح على الأرض ورفع صوته قائلا: باسم المسيح آمرك أن تنهض أيها الشاب!
فانتصب الفتى على قدميه في وسط الغرفة، وأجال نظراته المسغربة فيمن يحيط به، وكانت عيناه لا تزالان مستبقيتين آثارا غريبة من مشاهد اللانهاية! ...
عندئذ تراجع القوم مذعورين، فقالت الأم المغتبطة، والدموع تتناثر من مقلتيها التائهتين: أيها الأب! أيها القديس! ...
إلا أن الكلام تردد بين شفتيها وتلاشى! فاتجهت بقدم متثاقلة إلى فسحة صغيرة، وعادت تحمل بين يديها مطوقة بيضاء، وقدمتها للقديس قائلة: هذا كل ما أملك أيها الآب فاقبلها مني.
فأخذ الطوباوي المطوقة وجعل يلاطفها قائلا: أيتها المطوقة العزيزة، يا مخلوقة الله العذبة، يا رمز البساطة والوداعة، يا أخت، أترغبين في أن تذهبي مع الأب يوسف؟
فشرعت المطوقة تهدل وتنحني وتصفق بجناحيها بين يدي الأب المباركتين. •••
Página desconocida