وكانت آيات التسابيح تتعالى من فترة إلى أخرى مشيرة إلى أن الحمية الدينية قد بلغت أرفع قمة من قممها، وكان الشعب المسيحي المدهوش بتلك القداسة يجمع صوته إلى صوت الإخوة، طالبا إلى فضائل السماء والملائكة والرسل والأنبياء والشهداء وإلى العالم بأسره، أن يعلنوا قداسة الرئيس الجزيل الاحترام.
في تلك الساعة فتح باب الكنيسة الكبرى، واندفع منه فارس مشعث الشعر، مبلبل الأفكار ذو نظرات خائفة وجلة وانطرح أمام الرئيس.
عند هذا قوطعت التسابيح، وساد سكوت رهيب على جماعة المؤمنين، فأخذوا ينظرون بأعين ملؤها الرهبة إلى الغريب المخيف!
أما الفارس فكان ينتحب ويصرخ صراخا متقطعا، وينادي نداء مبهما، ثم انتصب على قدميه وصرخ صوتا، هو أقرب إلى أصوات الأموات منه إلى أصوات الأحياء قائلا: لقد أذنبت، لقد أذنبت ... ضد العذراء أم الله! الرحمة! الرحمة! وكانت يداه تضطربان بشدة، وأسنانه تصطك اصطكاكا موجعا.
وأما الرهبان المضعضعون، فقد غرقوا في ذهولهم أمام هذا المشهد الهائل، ثم استفاقوا وانطرحوا على الحضيض يستمنحون الغفران للبائس المسكين.
وفي حين كان هؤلاء يلحنون في تلاوة الصلوات المؤثرة، كان الخاطئ يصرخ: الرحمة! ... الرحمة! ...
بعد هنيهة رفع الرئيس صوته قائلا: ماذا تريد؟ - أبتاه، أبتاه، أطلب غفران الله وغفرانك ... آه! أشفق علي ولا تنبذني! دعني أدفن حيا، ولا تدع مخلوقة بشرية ترفع الحجر عن فوهة قبري ... ولينسني البشر إلى الأبد! ...
فأجابه الرئيس بصوت عذب: ما هو ذنبك؟
فنهض الرجل لدى هذا السؤال وقد ازداد اضطراب ركبتيه، ورفع يده إلى جبينه وقال بصوت متقطع: ذنبي! آه! رباه! ... لقد صفعت السيدة العذراء على وجهها في ساعة من ساعات الغضب الأعمى ... لقد اقترفت جريمة لا تغتفر، فليبتلعني الجحيم!
ثم انطرح على الأرض والزبد يرغي بين شفتيه! •••
Página desconocida