فحارت في أمرها وضاقت الحياة في وجهها، إذ إنها كانت أما لأولاد تسعة.
ذات يوم جميل مر رئيس أحد الأديرة الغنية أمام باب الكوخ الحقير، فأبصر سليما، فأعجبه نظره الوقاد الممتلئ ذكاء، ونجابة، فحدثه، فأجابه الوالد أجوبة أخذت بمجامع قلبه، فوعد أمه بمد يد المساعدة إليها، وأخذ الولد إلى ديره، حيث ألبسوه ثياب مبتدئ بيضاء ورسموا حول جبينه الإكليل الرمزي.
لبث الولد يهز المبخرة الذهبية أمام المذبح، حتى كبر وصار معلما يرجع إليه في حل المشاكل الصعبة، التي كان الكهنة الشيوخ يقفون عندها وقفة العجز.
في ذلك العهد كان يرئس الدير الأب بولس، وهو شيخ مسن بلغ أقصى درجات الفضيلة.
ففي ذات صباح من أيام نيسان، سمعت الأجراس تدق نعيا محزنا! فألبسوا الأب بولس غفارة فضية، وعصبوا جبينه المغضن بتاج من الصوف الأبيض، ثم أرقدوه في ضريح من الرخام، بعد أن خدم الدير خدمة يعجز عن مثلها إلا كل من تشربت روحه الفضائل السامية والإيمان الحي.
بعد ذلك اجتمع الرهبان والمبتدئون؛ ليقيموا خلفا لرئيسهم المتوفى، واتجهوا إلى الكنيسة؛ ليقسموا قسم الطاعة والأمانة للمنتخب الجديد.
كانت شباك الخورس مشرعة الدرفتين، وكان قسيس شاحب اللون ذو نظرات وقادة جالسا على العرش الرئيسي، مرتديا ثوبا تدلت عليه شرائط ثمينة.
يا لأسرار القلب البشري من أسرار غريبة!
كان سليم قد قوي على تجارب الكبرياء، ونذر لله مواهب ذكائه ومعارفه، تلك المواهب التي حالت بينه وبين سائر البشر؛ فعندما رأى نفسه جالسا على ذلك العرش، عندما اتكأ على العكاز العاجي بيد مضطربة، وأتيح له أن يبارك الشعب والكهنة الساجدين على أقدامه، شعر بعاطفة مجد باطل تحرك قلبه الضعيف السكران ...
عندما وصلت بي المرأة المسنة التي كانت تقص على مسمعي هذه الحكاية إلى هنا، قالت لي: لقد عاقب الله الأب سليما عقابا هائلا!
Página desconocida