El Movimiento Progresista en América: Una Introducción Muy Breve
الحركة التقدمية في أمريكا: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
بدأت مشاعر الاستياء الواسعة في التأجج في الغرب والجنوب في أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، وفي ظل اعتماد الاقتصاد في هاتين المنطقتين بقوة على المنتجات الأساسية (القطن في الجنوب، والقمح والذرة في الغرب)، وعلى السكك الحديدية في جلب تلك المنتجات إلى الأسواق، وفي ظل قصور نظمهما الرأسمالية أو المصرفية، غرقتا في الديون. كان صغار المزارعين في الجنوب أسوأ حالا من نظرائهم بالغرب؛ وذلك نظرا لأن الجنوب كان لا يزال في مرحلة إعادة الإعمار من الدمار الذي سببته الحرب الأهلية. لم يحصل العبيد السابقون أو أبناؤهم على الأراضي التي وعدوا بها في فترة إعادة الإعمار؛ ومن ثم كان عليهم العمل بنظام المزارعة أو استئجار الأراضي الزراعية. وفي مناطق السهول الكبرى التي أهلت بالسكان مؤخرا حينها، من تكساس شمالا إلى نورث داكوتا وساوث داكوتا، كان يستطيع المزارع وعائلته بسهولة إلى حد ما الحصول على ملكية اسمية لإحدى الأراضي، لكن المزارع كان يحتاج عادة للاقتراض من أجل إدارتها. وكلما توغل المزارعون غربا، زادت أسواقهم بعدا عنهم وارتفعت تكاليف النقل، وزاد احتياجهم للمال والاقتراض لشراء البذور وبناء الأسياج وشراء الأدوات وما إلى ذلك؛ ومن ثم، استفحل دينهم الخاص بالرهن العقاري. احتاج صغار المزارعين وعائلاتهم بالجنوب والغرب إلى تيسير الائتمان أكثر وخفض رسوم السكك الحديدية، وفوق هذا وذاك، احتاجوا إلى تداول مزيد من العملات النقدية؛ فذلك من شأنه أن يقلل من قيمة النقود ويزيد من سعر المحاصيل والماشية التي كانوا ينتجونها؛ ومن ثم يتسنى لهم تحقيق مكسب أكبر يغطي ديون الرهن العقاري الثقيلة ورسوم النقل المرتفعة.
تأصلت حالة الضيق الاقتصادي هذه في الجنوب ومنطقة السهول الكبرى منذ سبعينيات القرن التاسع عشر، لكن في أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، اجتمعت الأحداث كي تجعل الحياة في هاتين المنطقتين أكثر صعوبة؛ ففي أعوام المحاصيل السيئة، كان الدخل ينخفض نظرا لعدم توفر كميات كبيرة من المحاصيل لبيعها، وفي الأعوام الجيدة، كان يتم إغراق الأسواق بالمحاصيل، وتنخفض الأسعار نتيجة لزيادة المعروض. رأى صغار المزارعين أن النظام لا يعمل في صالحهم، ولم تقدم لهم السياسة أي عون. خاضت قائمة مرشحي اتحاد العمال الانتخابات في عدد من الولايات في عام 1888 لكنها لم تحقق نجاحا كبيرا؛ أما الحزبان الرئيسيان ومرشحاهما الرئاسيان - جروفر كليفلاند مرشح الحزب الديمقراطي، وبنجامين هاريسون مرشح الحزب الجمهوري - فلم يكن بجعبتيهما شيء يمكن تقديمه للمزارعين والعمال. ماذا يمكن فعله إذن؟ بمقدور العمال تنظيم إضراب أو مقاطعة، لكن ليس باستطاعة المزارعين فعل ذلك، إنما باستطاعتهم تأسيس جمعيات تعاونية تحمي الأسعار التي يحصلون عليها، وباستطاعتهم تحليل المشكلات التي كانت تواجههم؛ لذا كان من الطبيعي أن يصير شعار «تحالف المزارعين» الجديد المتنامي «ثر وعلم ونظم.»
وبحلول عام 1889 فاض الكيل بالكثير من المزارعين الصغار، وبدعم من منظمة فرسان العمل والجمعيات التابعة لجورج وبيلامي، ومؤيدي حزب العملة الخضراء السابقين، أسرع مئات الآلاف إلى الانضمام لتحالفات المزارعين الصغيرة سابقا. ثار تحالف المزارعين الوطني والاتحاد الصناعي، والذي عرف أيضا ب «التحالف الجنوبي» من تكساس شمالا إلى كانساس، وشرقا إلى جورجيا ونورث كارولينا وساوث كارولينا. استاءت تلك الحشود من النظام الاقتصادي الذي ساعد في ثراء البعض، وشعرت بالإحباط من رسوم وممارسات شركات السكك الحديدية التي لم تكن خاضعة لأي رقابة من أي نوع ، وانزعجت من تدني الأسعار كثيرا - مقارنة بتكاليف الإنتاج - لدرجة أنه في بعض المناطق كان من الأوفر إحراق الذرة في مواقد الشتاء عن بيعها بلا مقابل تقريبا، وتوافدوا هم وزوجاتهم إلى الاجتماعات التي كانت تعقد في المدارس للاستماع إلى محاضرات التحالف التي كانت تشرح كيف كان يخدعهم النظام وما ينبغي لهم المطالبة به لإصلاحه. وفي كل من الجنوب والغرب، وعلى الرغم من أوجه الاختلاف في آلية عمل أسواق الحبوب بالغرب وأسواق القطن بالجنوب، كانت أوجه التشابه كثيرة للغاية. تمحور برنامج التحالف حول الأرض (تيسير ائتمان الرهن العقاري)، والنقود (طرح عملات أكثر للتداول)، والنقل (رسوم نقل أقل وأكثر عدلا). كانت هذه المطالب الثلاثة هي محور برنامج التحالف، على الرغم من إضافة مطالب أخرى لها في الغالب. ابتعدت حركة التحالف في البداية عن طرح مرشحين لها في الانتخابات، لكن بحلول عام 1890 بات واضحا للغاية أن عددا قليلا للغاية من سياسيي «الأحزاب القديمة» يستمع إلى مطالب الحركة؛ من ثم شرع التحالف في طرح قوائم مرشحين له في الانتخابات في بعض المناطق، وكانت النجاحات متفاوتة لكن مشجعة.
وفي يونيو عام 1890، اجتمع المحتجون والمصلحون على اختلاف مشاربهم في مدينة توبيكا بولاية كانساس، وأنشئوا حزب الشعب بكانساس. مثل رجال تحالف المزارعين نواة ذلك الحزب، وانضم إليهم في حماسة أعضاء منظمة فرسان العمل ومؤيدو هنري جورج ومناصرو الاتحادات العمالية وأعضاء حزب العملة الخضراء وجمعيات المزارعين. اتفق الجميع على خوض الانتخابات بقائمة مرشحين كاملة في نوفمبر، وهكذا فعلوا. انتخبوا خمسة أعضاء في الكونجرس، وبسطوا سيطرتهم على مجلس النواب بالسلطة التشريعية بالولاية، واختاروا السيناتور الأمريكي التالي. كان ذلك شبه انتصار كاسح، علاوة على ذلك، لم تكن كانساس وحدها في هذا الأمر. حقق الشعبويون - وهو الاسم الذي أطلق على ناخبي حزب الشعب ومؤيديه - إنجازا مماثلا في الولايات الغربية الأخرى وفي مناطق من الجنوب؛ فقد استلزم الانقسام العرقي تشكيل تحالف منفصل هناك، وهو «تحالف السود»، لكن في المناطق التي تركز فيها السود على غرار ساحل نورث كارولينا وشرق تكساس، حقق الشعبويون نجاحا جيدا أيضا ، على نحو زعزع سيطرة القوى التابعة للحزب الديمقراطي بالجنوب، التي تؤمن بتفوق الجنس الأبيض على السود. حال الترويع العنيف، وهو نمط مكرر من الأفراد المنتمين لمنظمات كو كلوكس كلان وغيرهم من إرهابيي أواخر حقبة إعادة الإعمار، دون نجاح الشعبويين الجنوبيين في الانتخابات كنظرائهم في الغرب الأوسط؛ على الرغم من أن الشعبويين بالجنوب امتلكوا قوة جامحة أكبر من نظرائهم بالغرب الأوسط، فقد حققوا انتصارات أقل كثيرا في الانتخابات. فزعت مؤسسات البيض من التهديد المحدق المتمثل في تشكيل ائتلاف سياسي متعدد الأعراق من الطبقتين الدنيا والوسطى الدنيا، وفي السنوات القليلة التالية أخذت ولايات الجنوب الواحدة تلو الأخرى تمرر قوانين جيم كرو لمنع السود وفقراء البيض المشاغبين على حد سواء من التصويت في الانتخابات. أقل ما يقال في هذا الصدد أن الحركة الشعبوية بالجنوب أيقظت روح الديمقراطية بحيث إنه بعد عام 1900 - إبان الحقبة التقدمية - دعم الجنوب بقوة البرامج الزراعية في الوقت نفسه الذي باتت فيه قوانين التفرقة العنصرية أكثر تشددا.
سار الشعبويون في الولايات الأخرى على خطى ما حدث في ولاية كانساس؛ فأسسوا أحزابا على مستوى الولايات وانضموا إلى الحركة الإقليمية. وفي عام 1892، التقى ما يزيد عن 1300 مفوض، من الجنوب والغرب ومنطقة جبال روكي وحتى من مناطق أخرى أبعد شرقا في مدينة أوماها، لصياغة برنامج حزب الشعب واختيار مرشحين لخوض الانتخابات الوطنية لعام 1892. كان «برنامج أوماها» الذي ظهر في الرابع من يوليو من أكثر البرامج التي أعلنها الحزب إسهابا؛ إذ كانت ديباجته الحماسية، التي كتبها المصلح المينيسوتي إجناشيس دونيلي، تعبر عن السخط الشديد الذي يشعر به الملايين، وهي كالتالي:
إن الظروف التي تحيط بنا جميعا هي خير ما يبرر تعاوننا، فنحن نلتقي وسط أمة على شفا دمار أخلاقي وسياسي ومادي، فقد هيمن الفساد على صناديق الانتخاب والهيئات التشريعية والكونجرس، حتى إنه طال هيبة القضاة، واستبدت مشاعر الإحباط بأبناء الشعب ... فالصحف إما تنطق باسم الدولة أو تكمم أفواهها ... والعمال بالمدن يحرمون من حقهم في تنظيم صفوفهم من أجل حماية أنفسهم ... إن ثمار كدح الملايين تسرق بوقاحة لمراكمة ثروات طائلة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية لقلة قليلة ... إن القدرة القومية لإنتاج الثروة توجه لإثراء حاملي السندات فقط ... إننا نسعى إلى إعادة زمام حكم الجمهورية إلى أيادي «الناس العاديين»، تلك الطبقة التي من أجلها أنشئت الحكومة ... نحن نرى أن سلطة الحكومة - أو سلطة الشعب بعبارة أخرى - ينبغي أن تزيد ... بالسرعة والمقدار الذي تمليه حصافة هذا الشعب الذكي وتعاليم خبرته؛ بحيث يصب ذلك في غاية واحدة؛ وهي القضاء على الاستبداد والظلم والفقر في ربوع البلاد.
ونظرا لأن بنود البرنامج السابق ألهمت التقدميين، بل حققوا معظمها على أرض الواقع بعد بضع سنوات، فإن البرنامج يكشف لنا الأفكار الإصلاحية التي كانت تختمر بالفعل في ذلك الوقت المبكر. لقد استهدف بعضها بوضوح مشكلات الزراعة، مثل قضايا «الأرض والنقود والنقل»، وتلك الأفكار خضعت للتهذيب والتدقيق خلال العامين أو الثلاثة التي تلت اتساع نطاق تحالفات المزارعين. وتركزت في تخفيف أعباء الرهن العقاري وتنظيم عمل شركات السكك الحديدية والتوسع النقدي (سواء العملات الخضراء أو العملات الفضية). كانت العملة، حسب زعم تلك التحالفات، قد انكمشت بالفعل منذ سبعينيات القرن التاسع عشر، فأرهقت المنتجين الفعليين بشدة، وفي الوقت نفسه ساهمت صور أخرى من النقود (مثل الشيكات، والودائع النقدية، وشهادات الإيداع ما بين المصارف، والأوراق المالية القابلة للتداول) في زيادة كبيرة في العرض النقدي في الأجزاء الأكثر ثراء من البلاد. أشار أحد الشعبويين إلى أن ورقة نقدية بقيمة خمسة دولارات تتناقلها الأيدي عدة مرات يوميا في نيويورك أو شيكاجو ربما لا تنتقل إلا مرة أو مرتين أسبوعيا من يد إلى أخرى في القرى الريفية؛ من ثم لا يملك الريفيون سوى جزء ضئيل من النقود المتوفرة لسكان المدن. لم يكن حجم الدولارات المتداولة هو المشكلة؛ بل سرعة تدفقها هي ما مثلت نقطة حاسمة.
لكن بخلاف هذه القضايا الرئيسية الثلاث، طالب البرنامج بتغييرات أخرى من شأنها إعادة زمام أمور البلاد إلى «الشعب» - المنتجين - وانتزاعها من أيدي المتلاعبين، والاحتكاريين، وأصحاب النفوذ غير الشرعيين. لم يكن ذلك مجرد احتجاج للمزارعين، بل هجوم خطير - هو الأول من نوعه والأكثر شمولا من أوجه عديدة - على الرأسمالية غير المنظمة. اقترح البرنامج إصلاحات عميقة لا تهدف إلى إلغاء النظام الرأسمالي، بل إلى تمكين الشعب من استرداده، وجاء فيه: «إما أن تملك شركات السكك الحديدية الشعب وإما أن يملك الشعب شركات السكك الحديدية»؛ لذا لا بد للحكومة - التي كانت في وجهة نظر الشعبويين (أو ينبغي أن تكون) تمثل «الشعب» - أن تمتلك الطرق وتديرها بقوانين خدمة مدنية «صارمة». كذلك طالب البرنامج ب «عملة وطنية، آمنة وسليمة ومرنة تصدرها الحكومة فقط»؛ وليس المصارف الوطنية؛ فقد جاء فيه: «صك العملات الذهبية والفضية الحر واللامحدود» بنسبة الستة عشر إلى واحد التقليدية؛ وليس بأقل من خمسين دولارا لكل فرد في عملية التداول. وطالب أيضا ب «ضريبة دخل تصاعدية»، واقترح إنشاء «صناديق ادخار بريدي ... للإيداع الآمن لمكاسب الأفراد.» أما عن نظم الهاتف والتلغراف والسكك الحديدية، «فينبغي أن تعود ملكيتها وإدارتها إلى الحكومة بما يصب في صالح الشعب»، كما هو مطبق في الدول الصناعية الأخرى. وكان تقييد العمالة «غير المرغوب فيها» (والتنافسية)، ووضع قوانين تفرض ساعات عمل أقل للعاملين، وحظر الأفراد التابعين لوكالة بنكرتن الخاصة للتحريات وغيرهم من الأفراد المأجورين بواسطة الشركات لفض الإضرابات، على رأس المطالب الخاصة بالعمال.
لم تكن الحركة الشعبوية - أو هكذا أمل زعماؤها على أقل تقدير - حركة مزارعين فقط؛ فقد نادى برنامج أوماها أيضا بالاحتكام إلى المبادرة والاستفتاء في وضع التشريعات؛ ومن ثم إعطاء «الشعب» سلطة أكبر. وأراد إصلاح عملية الانتخاب من خلال المطالبة بالاقتراع السري وتطبيق النظام الأسترالي في هذا الشأن (أي تجريه الحكومة لا الأحزاب، وأن تضم أوراق الانتخاب مرشحي جميع الأحزاب، وليس حزبا واحدا فقط). شمل البرنامج مطالب أخرى أيضا، لكنه في جوهره كان يقوم على أمرين: النزعة الإنتاجية، وهي النظرية الاقتصادية التي تقضي بضرورة أن تذهب المكاسب إلى المزارعين والعمال الذين أنتجوا الثروة، وليس إلى أولئك الذين يتلاعبون بها؛ والديمقراطية، وهي النظرية السياسية التي تفيد بأن السلطة يجب أن تكون متروكة «للشعب »، لا للشركات المستغلة. مقت الشعبويون السيطرة غير العادلة لتلك المؤسسات التجارية على الأسواق والحكومات وغير ذلك الكثير (شركات السكك الحديدية والاتحادات الاحتكارية والمصارف)، وما نجم عن ذلك من توزيع سيئ وسافر للثروة.
شكل المزارعون في ولايات الجنوب والغرب غالبية ذلك «الشعب» الذي تحدث برنامج أوماها عن احتياجاته، لكن البرنامج تحدث أيضا عن المطالب الخاصة بالعمال؛ وذلك لأن العمال المنتجين أيضا في حاجة إلى مساعدة. وكان بمنزلة بيان شامل بالمطالب الشعبية للتغيير بدءا من عام 1892، لكن لم يتحول أي منها إلى قانون أو سياسة إلا بعد سنوات عديدة. وهكذا أخفقت الحركة الشعبوية في تحقيق ما كانت تدعو إليه. لكن في غضون سنوات قليلة، تبنى التقدميون الكثير من هذه الإصلاحات، ومع أفول الحركة التقدمية، صار معظم ما جاء في برنامج أوماها قوانين فيدرالية وخاصة بالولايات. وكما قال وورث روبرت ميلر، وهو مؤرخ عن الحركة الشعبوية بولاية تكساس، على نحو محقق (وهذا يسري أيضا على الولايات الأخرى):
Página desconocida