فصل:
إذا كانت القناديل في الحجرة الشريفة المعظمة فلا حق فيها لأحد
من الفقراء، كما لا حق لهم في مال الكعبة، وكذا لاحق فيها لما يحتاج إليه من عمارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وحرمه الخارج عن الحجرة، كما لا حق فيها للفقراء، لما ذكرناه من المغايرة بين الحجرة والمسجد، فلا يكون الذي لأحدهما مستحقا للآخر، ولا حق له فيه. وأما الحجرة نفسها، لو فرض احتياجها إلى عمارة أو نحوها، هل يجوز أن يصرف من القناديل فيها؟ الذي يظهر المنع، فليست القناديل كالمال المصكوك، المعد للصرف الذي في الكعبة، لأن ذاك إنما أعد للصرف، وأما القناديل فما أعدت للصرف، وإنما أعدت للبقاء، وليس قصد صاحبها الذي أتى بها إلا ذاك، سواء أوقفها، أم اقتصر على إهدائها، فتبقى مستحقة لتلك المنفعة الخاصة، وهي كونها معلقة يزين بها. والعمارة التي تحتاج إليها الحجرة، أو الحرم إن كان هناك أوقاف يعمر منها، وإلا فيقوم بها المسلمون من أموالهم، طيبة قلوبهم، فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والذي / قالته الحنابلة أنها إذا بطل وقفها تصرف إلى مصالحه ليس بصحيح قطعا، والذي قاله أصحابنا من أن الموهوب للمسجد يصرف في مصالحه لا يأتي هنا، لأن ذاك فيما لا يقصد واهبه جهة معينة، أما لو قصد جهة معينة فيتعين، كما قالوا في الإهداء لرتاج الكعبة، أو لتطييبها أنه يتعين صرفه في تلك الجهة، وليس هذا كما إذا وهب لرجل درهما ليصرفه في شيء عينه حتى يأتي، فيه خلاف، لأن ذاك في الهبة بخصوص عقدها، وكونها لمعين آدمي يقتضي ذلك، [وهنا] (¬1) الإهداء لما يقصد من الجهات فأي جهة قصدها تعينت، ولم يعدل عنها.
فصل:
Página 58